الأحد، 20 ديسمبر 2009

قصيدة يتيمك


قصيدة : يَتيمُــكَ
بقلم / علي بن سلمان العجمي (أبو كرار)


في كربلاء الحسين (عليه السلام)، لا هوية الا الدم، ولا ابا الا الحسين عليه السلام، ولا يتم الا فقد الدين في السادات، كما قلتُ في قصيدةٍ سابقه..



امسح بــرأَسي مَسحَــةَ الرُحَمَـــاءِ
فأَنا يَتِيـــــمُكَ والعَـــزاءُ عَــزائي
واجعـــل دموعي في رثـاكَ غــزيرةً
تجري بكــلِّ صبيحــــةٍ ومســـاءِ


******

خُـذنِي وَجَـدِّد (كَربَـــلا) بِـمَـدَامِعي
لأُشَـــــاركَ السَبـعَ العُلى بِبِكَـــائِي

خُـذني أُرَوي أَكبُــداً ظَمـئَى بِهــــا
قَـــــد رُوِّيَـت بِشفا القنا لا المَـــاءِ

خُـذني لحَيــثُ تَـلاحَقَت أَرواحُـــكم
و (المــــوتُ) يــلـــحقكُم بلا استحياءِ

فأظلـــكُم جَيشٌ كَـــــرملٍ بالفـلا
مِن مَعشَـــرِ الفُسَّـــاقِ والطُلـــقاءِ

نَسَجُـــوا (لِدُنيَاهُـم) ثِيَـابَ هَـــوانِهم
ونَسَجتُــمُ (للـدينِ) خَيـــــــرَ رِدَاءِ

تَاللهِ لا أَنسَــــاكَ فِيـهم هــــاتفاً
(يا قَــومُ أَينَ عُهــودَكُم بوفـــائي؟!)

(أَولَــــم يُوَصِّي بِنَا الرسولُ فَمَــالَكُم
قَــد مِـلتُمُ (للطِخيَـــةِ العَمــيَاءِ؟!))

فأتى الجـــوابُ (بـأسهــُمٍ) في جوفها
تغلي بغــلِّ سقيــــــــــــفةٍ بغضـــاء

فقضت جمـــوعُ المـــارقينَ ديونها
من آل أحمــــد خيــرةِ النجبـــاءِ

******


امسح بــرأَسي مَسحَــةَ الرُحَمَـــاءِ
فأَنا يَتِيـــــمُكَ والعَـــزاءُ عَــزائي
واجعـــل دموعي في رثـاكَ غــزيرةً
تجري بكــلِّ صبيحــــةٍ ومســـاء
ِ

******


خُذني الى حيـثُ الجســـومُ تَـقطعـََت
وَجِراحُهُا غـــــاصت الى الأحشـــاءِ

وتوزعت فوق الهجيــــرِ فلا تــرى
أثـــــــراً يُمَيـــزُها عن الهَيجـاءِ

فَغـــدوتَ تَعرِفُــهم بِعَـدِّ طعـــانهم
وبقَطعـــــةِ الأوداجِ والأعضــــاءِ

فهُنَـــــــاك لاحَ (البـدرُ) دونَ كُفوفه
والعينُ غارت في بُحُــــورِ دمــــاءِ

وهناك (شبهُ المصطفى) قــــد وُزِّعَـت
أَشلاؤُهُ بــالسيفِ في الأرجـــــــاءِ

وهناكَ (قــاسمُ) مشــــرقاً بجبينـه
متخضبـــــاً بالـــدمِّ لا الحنـــاءِ

وهناكَ (أصحابٌ) تــهاووا في الفـــداء
فتخـــالُهم (مَـطراً) مـن الشهـــداءِ

وهنــاك جُثَّةُ (والـــــــدٍ ورَضِيعَهُ)
وجِــراحُهُ جَلَّـــت عن الاحصــــاءِ

قد عالـــجَ السَـهمُ المثلثُ شَوقَـــهُ
فأصــــابَ قلــب المصطفى بالــداءِ


******


امسح بــرأَسي مَسحَــةَ الرُحَمَـــاءِ
فأَنا يَتِيـــــمُكَ والعَـــزاءُ عَــزائي
واجعـــل دموعي في رثـاكَ غــزيرةً
تجري بكــلِّ صبيحــــةٍ ومســـاءِ


******


خُــذني لحيثُ خيـامكم قــد اسجرت
فَبَــدَت (فواطمـــكم) لعيـــنِ الرائي

يتنــــاوبــــون لنَهبِـهِنَّ كَأَنَما
ذِئـــبٌ تَسلَــط في قَطيــــعِ جداءِ

فتـــصيـــحُ (واذلاهُ) زينبُ بعدكم
سيطــــولُ بعـدكَ يـا أخي شقـــائي

تَشكُـوا لــواعِجَهـا فَيَضرِبُ مـتنهـا
متذممــاً رجــــسٌ مــــن الأعداءِ

فتهيمُ في وجه الصعيد فـــــلا ترى
الا اللــــذي قــــد حزَّ في الأحشاء

وترى المحــــامي في التـرابِ معفراً
هـــذا لعمــــري أَعظـــمُ الأرزاءِ

فتقولُ عاتبـــةً كـــأن عتـــابها
يُحيي المــــوات كدعـــوةِ استسقاءٍ

أترى يهونُ على (كفيلي) أن يــــرى
ســـبيي وتسييــري الى الطلقــــاءِ

قــد كان في بَيتِ الرسُــولِ تخـدري
واليـومَ (ظـــهرُ الظــــالعاتِ) خبائي



الاثنين، 14 ديسمبر 2009

قصاصات من الذاكره من حج بيت الله الحرام لعام 1430 هـ










بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم



تراودني فكرة الحج منذ فترة طويله، ولكن في هذا العام اجتمعت المراوده مع الاستطاعه والعزيمه فعقدت العزم لحج بيت الله الحرام، فكان ان حضيت بالتوفيق من الله عزوجل، وفي هذه القصاصه من الذاكره استعرض محطات هذه الرحلة العظيمه.



المحطة الاولى: فكرة وعزم:-


لم أطل التفكير في اختيار الحملة التي سأتوجهُ بها الى حج بيت الله الحرام، فسمعة "حملة الأنوار" بادارة الشيخ حسين العجمي تملك من الصيت ما شجعني ان اقصدها دون سواها، لا سيما وأن الاخ والصديق الغالي سعيد الرواحي من كوادرها ما زاد تشجعي للالتحاق بها. يتميزُ الشيخ حسين بطيبة غير عاديه وأخلاق رفيعه وابتسامةٍ مميزه كفيله بدفن أي موجة غضبٍ أو انفعال في وجهه، أي أنك وببساطه، لا يمكنك أن تنفعل أمامه فابتسامته وسعة صدره كفيله باحتواء المواقف المتشنجه، كما انه ليس من الناس الذين يكترثون للعائد المادي كما تفعل بقية الحملات وهذا ما لمسته شخصياً في الاسعار المقدمه و"خفايا خلف الكواليس لا يعرفها الكثير من الاخوه عن حملة الانوار". كذلك يمتاز كوادر الحمله بالتفاني في خدمة الحجاج بل لا ابالغُ ان قلتُ بأنهم يرون سعادتهم في خدمة الحجاج.



عقدتُ وزوجتي العزم وشاركني أخي عبدالامير وزوجته في الانظمام لحملة الانوار، وقمنا باجراء الفحوصات الطبيه اللازمه بما اشتمل عليه من أخذ لقاحات انفلونزا "الخنزير المزكوم"و "الانفلونزا الموسميه" و"لقاح الحمى الشوكيه". ولا ارى أنها قد أتت أكلها فلم البث في المدينة أمداً حتى أصبت بالانفلونزا كما سيأتي لاحقاً. فوجئت ظهر الثلاثاء (قبل اسبوع من انطلاق الرحله) باتصال من أخي محمد يخبرني بأنه قد عزم على الحج ولكنه يحتاج لاتمام بعض الاجراءات الاداريه وطلب مني ان أتصل بسعيد الرواحي بغرض حجز بطاقة للحج وقد جرت مقادير الامور على ما يرام وانضمت الى جمعنا والدتي -حفظها الله ورعاها- فكانت جمعةً لطيفه، اجتمع فيها أفرادُ اسرتي.


المحطه الثانيه: قبيل الرحيل:

لا ادري ان كنتُ قد أمضيتُ وقتاً طويلاً في التسوق لهذه الرحله، بل لم اشتري احراماً من عمان كما فعل بعض من كان معنا في الحمله، ولم يكن في بالي سوى فكرة أننا سنتغيب عن كرار - ولدي الذي لم يكمل عامه الثاني بعد - لمدة تقارب ال 15 يوماً. "أولادنا فلذاتُ أكبادنا"، ومن الصعب مفارقتهم، الا أن الهدف من الرحله كان أعظم من هذا الفراق.

أنصبت استعداداتي للحج في شقين:


الاول: سماع محاضرات روحيه عن الحج، كان ابرزُ محاضرٍ فيها سماحة الشيخ المربي حبيب الكاظمي.

الثاني: مطالعة الكتابات الفقهيه التي تتحدث عن مناسك الحج والاحكام الفقهيه المرتبطه به، فكان ان عثرتُ في موقع السراج على كتابين قيمية بصيغة PDF هما : كتاب المختصر الميسر في الحج والعمره للسيد عبدالهادي الحكيم والذي جمعه وفق اراء سماحة المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني دام ظله الوارف وكتاب منتقى مسائل الحج والعمره - جمع الشيخ هاني البنا وفيه استعراض لاراء مراجع التقليد من الاحياء حول المسائل المستحدثه المختلفه في الحج والعمره. ولم انسى بالتأكيد ان اقوم بتحميل محاضرات الشيخ هاني البنا الصوتيه في شرح مذكرته التي قاربت ال200 صفحه. قمت بطباعة الكتابين في مكتبة شمس الولايه بصحم وقمت بعمل نسخ اضافيه اهديتها لبعض الاهل والاصدقاء، وباشرتُ بمهمة القراءه.


المحطه الثالثه: الطريقُ الى الحج العظيم:


لم تؤهلني ميزانيتي لأن اذهب في طائره، فكان الذهاب في الباص، والذي لا يخلو من الشقه والتعب في الطريق مهما كانت الباصات مريحه ومكيفه، ولكن أن يتكور جسمك ويتقوقع في مساحة لا تتجاوز السنتمترات لاكثر من يوم لهو امرٌ متعبٌ للجسم، ولكن تسليتي كانت في عبارة "الجزاء على قدر المشقه". طبعتُ ما امكنني من قبلات على وجه كرار قبل ان اركب الباص وانطلقنا في يوم الثلاثاء 17 نوفمبر 2009 ميلاديه ووصلنا المركز الحدودي للسلطنه عند الظهيره فكان ان صلينا في المركز وأجلت الغداء قليلاً حتى دخلنا الامارات حيثُ لم نتأخر كثيراً في المركز، انطلقنا بعدها الى السعوديه.



أنطلقنا من الحدود باتجاه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حيثُ أنها كانت قبلتنا الاولى في بلاد الحرمين، ولكن قبل ذلك اندفنا في الصحاري السعوديه التي كانت بين المحطتين. وصلنا المدينة المنوره في مساء الاربعاء وكانت الساعه تشيرُ الى الثامنه مساءاً، وكان في انتظارنا الشيخ حسين بابتسامته العريضه التي غطت على بقية تقاسيم وجهه مع مجموعه من كوادر الحمله ممن تقدم الحمله للتهيؤ لاستقبال الفوج القادم من حجاج بيت الله الحرام.


المحطه الرابعه: المدينة المنوره:


أوتدت الحمله خيامها "الفندقيه" قرب الحرم النبوي الشريف وكان ذلك في فندق الاشراق المجاور لاسواق الحرم الملاصقه للحرم الشريف. وقد أعدت الحمله منشوراتها - اضافة الى الكتيبات التي تم توزيعها على كل الحجاج قبل السفر- ولكن ما لفت نظري رواية الشبلي مع الامام السجاد عليه السلام فهي بحق روايه عظيمه لانها تعلم كل حاج ان للحج ابعاد باطنيه ومعنويه عليه أن لا يغفل عنها منشغلاً بالمناسك الظاهريه، فالحج مدرسة للروح لا البدن.

فور وصولنا الى المدينة المنوره، انطلقت الدروس الفقهيه والتي كان يلقيها الشيخ ابراهيم حمد نجف العجمي من ولاية الخابوره، وقد كان يستعين بالتقنيه الالكترونيه لكي تصل المعلومه وترسخ أكثر. توزعت المحاضرات الدينيه في درسين صباحي (الساعه 11 صباحاً) ومسائي (الساعه التاسعه مساءًا)، وقد كان الشرحُ وافياً وكافياً.

تتميز المدينة المنوره، بهدوءٍ نسبي ونظافه عاليه مقارنةً بمكه المكرمه، الا أن أكثر ما ضايقني وجود بعض المتشددين الدينين وعلى الخصوص المنتشرين في مقبرة البقيع وقبر الحمزه عليه السلام بأحد. كنتُ أسعى أن الا أخوض في أي سجالات أو نقاشاتٍ حفاظاً على حرمة المكان الا أن المء لا يتمالك نفسهُ أحياناً وهو يسمع عبارات "الشرك" و"الكفر" تتطاير يمنة ويسره كسلاح كلاشينكوف في يد طائش يطير ذخيرتهُ يمنة ويسره.

أذكرُ أني استوقفتُ أحدهم مره وقلتُ له: "مالكم توزعون عبارات الشرك يمنة ويسره .. هل هي بهذه المجانية لتوزعونها على من تروه؟؟ ... دعوا كل مسلمٍ وعقيدته .. فلا اكراه في الدين .."

فقال لي: "الا ترى ما يقولون في كتيباتهم؟؟!"

قلتُ: وما يقولون؟


فوجدتُ انه يستشكل على بعض مقاطع الزياره واستخدام عبارة "عبدكم" في مخاطبة أئمة البقيع؟!


فقلتُ له: وما المشكل في ذلك، أتراك تستشكل على عبارة "عبدكم" .. ان كان كذلك فالقران ينقل عن لسان نبي الله يوسف عليه السلام قوله "( وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ ، فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ ، فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ ) سورة يوسف/42 . وقد استخدم عبارة الرب، ولكن ذلك لا يعني ان من يقول عبدك يقصد العبوديه بكونه اله، والعربيه حافله بمعاني عبد فلما يزجُ بها في هذا الجانب فقط"

فوجم الرجل وحاول ان يحور النقاش، فتجنبت الاسترسال لاني عرفت ان الموضوع سيتحول الى سجال غير علمي ومراء، وأنا في غنى عن ذلك، ولكني قصدت شيخاً سلفياً غيره وخاطبته بكل هدوء بأن امتنا الاسلاميه الممزقه في غنى عن التكفير ورمي الناس بالشرك واننا أحوج ما نكون لرص الصفوف.

واستوقفني آخر، مستنكراً البناء على القبور وانه من اكبر البدع، فقلتُ له : قبر الشيخ زايد في الشقيقة الامارات المتحده مبني، فهل هم أصحاب بدع؟

قال: انا أتحدث عن المملكه لا غيرها من الدول؟

فقلت: حسنا التفت على يمينك لترى قبر رسول الله مشيداً، فاما ان بناءه بدعه وانتم تسمحون بها او ان بناءه لا اشكال فيه. الاعجب انهم بذلك يستهدفون المقدسات ليسووا بها الارض وكانهم يقصدون سلب هذه الاماكن المقدسه من رمزيتها في قلوب المسلمين متغاقلين عن نصوص قرانيه تحدثت عن بناء المساجد على قبور الاولياء كما حدث في قصة أصحاب الكهف، يقول تعالى:
( قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا )

وتبقى لكل مسلمٍ عقيدته التي يعتقد بها دون ان يفرض عقيدته على الآخرين. على كلٍ، كانت المدينة المنوره محطةً جميلةً جداً وكانت الانفاس الروحانيه تفوح في جنباتها كنسيمٍ هادئ ليدغدغد المشاعر والارواح. وبدأنا الاعداد للمباشره بأعمال الحج بعد أن انهينا مراسيم الزياره.


المحطه الخامسه: مكة المكرمه:



يتحتم على كلِّ داخل الى مكة المكرمه ان يدخلها محرماً، ولكلٍ ميقاته، فلأهل الشام ميقات ولأهل العراق ميقات ولاهل المدينة ميقات وهكذا. والميقات هو المكان الذي يحرم الحاج او المعتمر الى مكه، ولأننا قصدنا المدينة أولاً فقد كان ميقاتنا ميقات مسجد الشجره، وهو قريبٌ من المدينه ويبعد عن مكه حوالي الاربعمائة كيلومتر. أدينا صلاة المغرب والعشاء في مسجد الميقات ثم شرعنا في النية والتلبيه وكم كان منظرُ البياض جميلاً في الميقات. يتوشح المسلم بثلاثة أقمشة بيضاء في حياته : قماطه الابيض، ولباس الاحرام، وكفنه الابيض، وكأنما مراحل حياته تختصرُ في هذه القطع من البياض.



وصلنا مكة المكرمه ليلاً وجلسنا نستريحُ لبرهه في العزيزية ثم توجهنا الى البيت الحرام لنؤدي مناسك عمرة التمتع. لم نرى أثراً للازدحام في ذلك اليوم ومرت مناسك العمره دون اي متاعبٍ تذكر. وكانت روحانيةُ المكان تخيم علينا خصوصاً واننا كنا نترنم بمقاطع لادعية عظيمة القدر لأئمة أهل البيت عليهم السلام كدعاء كميل وأدعية الصحيفة السجاديه للامام علي بن الحسين عليهما السلام. ما أجملهُ من شعور وان ترى الدموع تسبعُ في أعين الحجاج والمعتمرين ترتجي من رب السماوات غفران الذنوب واستئناف العمل.





أصبتُ في آخر يوم في المدينة المنوره بالانفلونزا، وعجبت لذلك خصوصاً وان جسمي كان حلبةً لابر التحصين التي لم تسمن ولم تغني من اصابتي بالانفلونزا مجددا، ولم يفك اللغز سوى الدكتور العراقي حيدر البياتي - وهو طبيب الحمله وكان لطيفاً للغايه، ما قصده مريض الا ورجع بأدوية ونصائح قيمه- حيثُ أخبرني الدكتور بوجود عدة انواع للانفلونزا وأنني حصنتُ ضد نوعين فقط. تواصلت معي الانفلونزا الى مكة المكرمه ، وكان ذلك من سوء طالع الاخ سعيد عبدالله العجمي، فقد كان يقابل سريري في مكة مباشرة، ولم يلبث الى أن أصبح هو الاخ مصاباً بها ولم تفلح كل الادوية التي أخذها في طرد الانفلونزا بعيداً عن جسمه، ويبدوا ان "فيروساتي" طويلة الامد خصوصاً ان لاحقت جسماً شديد الحساسية للانفلونزا كجسمه.





الى صعيد عرفه:



جاء يوم الثامن من عرفه، وقصدت الحرم في وقت الظهيره، حيث نزلت الامطارُ بغزارة، وكم كان الشعور جميلاً وانت تطوفُ حول البيت والامطار تنهمر عليك، وكم كنت اتمنى أن تكون مياه الامطار قد سحبت معها كل معصيه وذنب ارتكبته. وحان الليل وكنا بين ان نتوجه الى منى للمبيت فيها لما في ذلك من استحباب او التوجه الى عرفه حتى لا تقطع الامطار والوديان طريقنا خصوصاً وان الجو كان متقلباً، فلجئنا لخيار المبيت في عرفه، وتوجهنا الى حدود مكة القديمه للاحرام من هناك. كان من سوء طالعنا ان الخيام كانت مبللةً بمياه الامطار، فلا سماء تقلنا ولا ارض، فافترشنا شنط النوم (Sleeping bags) وتكورنا فيها ولم يضايقنا سوى تواقيع البعوض على أيدينا في صبيحة اليوم التالي.



كان الشيخ محمد سعيد التتون يتولى مهمة الاشراف الديني في مكة المكرمه اضافة الى الشيخ ابراهيم نجف، وقد أمنا في صلاة الظهرين بعد ان افسح لنا المجال للاتيان بصلاة جعفر الطيار، ثم حان وقت عروج الارواح في الحج الاكبر (عرفه) ولم نجد براقاً أسرع من دعاء الحسين عليه السلام في يوم عرفه، حيثُ أم اسماعنا الرادودين حسن الناصري ونزار الدرازي بعد وقفنا تحت السماء كما هو الاستحباب. كانت حنجرةُ الرادود حسن الناصري شجيةً بما يكفي ليجعلك تعيش مضامين الدعاء كلها، وكان يستدر الدمعة من جوف الصلعه دون اي مشقه ولذا لم يكن غريباً ان ترى الاعين تفيض بالدمع طوال فترة الدعاء رغم طوله. لم ننس يومها ان نغتسل قبيل الزوال لما في ذلك من استحباب مؤكد.



الى المزدلفه ومنى:



تهيئنا قبيل غروب شمس التاسع للتوجه للمزدلفه للمبيت فيها، ولم يضايقنا سوى الازدحام الشديد فيها لدرجة اننا وصلنا المزدلفه في حدود الساعه الحادية عشر رغم قربها من عرفه، ولعل علة ذلك هو انها المكان الوحيد الذي يلتقي فيها كل الحجاج في مكانٍ واحد ووقت واحد. شرعت بنية المبيت في المزدلفه والصلاة فور وصولي، ومن ثم توجهت لالتقاط الجمرات -لرجم الشيطان- جمعتُ الكثير ولكنها كانت كبيرة الى خدٍ ما كما شخصها الاخ سعيد الرواحي فنمت حتى الساعة الثالثه ثم استيقضت لالتقاط الجمرات فكانت هذه المره صغيرة الحجم مستوفية الشروط، من النوع الملون، وكنتُ استعين قبل كل مرحلة بكتاب المختصر الميسر في مسائل الحج والعمره فكان خير معين في رحلتي تلك. قارب الفجر على الظهور وتهيأنا لنية الوقوف في المزدلفه والتي تكون بين الطلوعين (طلوع الفجر حتى طلوع الشمس) لنلتحق بالجماهير المؤمنه التي قصدت منى لرمي الجمرات، حيث لم نصادف زحمة تذكر، خصوصاً مع وجود اربعة طوابق لرمي الجمرات، فرمينا الجمرات ومن ثم جائنا الاتصال يفيد بأنه تم ذبح الهدي بالنيابة عنا، وباشرنا بالتقصير، وعدنا بعدها الى السكن في العزيزية لنرتاح لبعض الوقت قبل ان نتوجه مجددا لنبيت النصف الاول في منى. كانت الايام الاخيرة ابتداء من ليلة التاسع من ذي حجه وحتى الثاني عشر منهكة لبدني لاستصحابي المرض وقلة النوم. قصدت مقر الكادر الصحي في المخيم العماني لاشتداد المرض بي وكان هناك أطباء في غاية اللطف والوداعه وكانوا كرماء بالادويه :)



لم تكن المشكله في الدواء ولكنها كانت مشكلتي اذ اني لم اخلد للراحه فور تناولي للدواء، ولذا فلم تكن الادويةُ ناجعةً في جسمي. ولذا فقد قضيتُ ايام الحج الكبرى والمرضُ يطوقني ككفٍ أحكمت الخناق على رقبتي لخنقي. كانت لقلة النوم اثرها البالغ اذ اننا كنا نتردد بين خيام منى والجمرات وسكن العزيزية وكانت المشي في أحيان كثر وسيلة نقلنا وحلنا وترحالنا.

استوقفني في الطواف الاخير مشهدين:

الاول: عندما كنت أطوفُ حول الكعبه كانت زوجتي امامي وكنتُ أسيجها بيدي كي لا ينال منها التدافع دون أن اتسبب في اذية اي من الحجاج، فاستغربت من أحدهم وقد أخ يصرخ استغفر ربك فما هكذا كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- يطوف ولا الصحابه، ولا ادري هل رأى طوافهم فحكم بالخلل في طوافي ام وجد اشكالاً شرعياً في ذلك، رغم اني كنت احميها من التدافع دون ان اتسبب في اذية الاخرين خصوصاً وان اذية الحجاج في الطواف لا تجوز، تجاهلتهُ ليقيني بعدم وجود اشكال فيما كنت افعله.

الثاني: كنت اردد الصلوات على النبي واله بصيغة (اللهم صل على محمد وآل محمد) في اثناء السعي فسمعتُ أحدهم من خلفي -وكان مصري الجنسيه- يصرخ في قائلاً (يا راجل .. محمد ده مين؟ .. آوول "قول" اللهم صل على سيدنا محمد)، ولم التفت لما قاله لانشغالي بالسعي ولم اشأ ان احول السعي الى جدال عقائدي حيثُ اني لم ارى اي اشكال في عبارتي للاعتبارات التاليه:

1- قولي (مُحَمَد) تختلف عن مخاطبة الشخص العادي باسم محمد لاننا لا نضع الحركه في المخاطب العادي، فبالتالي الامر جلي والمخاطب نبي الامه صلى الله عليه وآله وسلم.

2- في الصلوات الابراهيميه وهي التي جاءت بها السنه نقول (اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على ابراهيم وآل ابراهيم ...) دون ضرورة لاضافة سيدنا.

3- في عبارة الرجل التصحيحيه، ذكر الرجل النبي صلى الله عليه واله ، واستثنى آله والصلاةُ التي يستثنى الال منها- كما ورد في الاحاديث النبويه - هي صلاةٌ بتراء.

طوال هذه الفتره، كان الحنينُ الى كرار يغلبُ علي وعلى والدته وكان حاضراً معنا طول الوقت، الا انه كان يبخلُ علينا بصوته اذا اتصلنا به، وجل ما كان يفعلهُ هو الابتسام لمن امامه. التفتُ في احدى المرات وقد انتهينا من رمي الجمرات الى وجه أم كرار الغاليه، فاذا عيناها مغرورقةً بالدموع، فسألتها عن السبب فأخبرتني بأن شوقها لكرار قد هاج. حاول طمأنتها وبث السكينة الى قلبها، ولكن بقية النسوة في الحمله التفتن وقلن ما بها؟ قلتُ: كرار! قلن : خير .. وش فيه ؟ (بلهجة فزعٍ وجزع)، فقلتُ لهن: الحمد لله .. لكن شوقها قد زاد .. فحاولت ان ازيح غمامة الحزن عن وجه ام كرار واقلب المشهد الى مشهدٍ مفرح ، فقلت - بصوت النعي الحسين- ملتفتاً الى من التفت من النساء ..(تخيلوا اولادكن الان .. كيف حالهم ..) فانقلبت الدمعة الى ضحكه في وجه ام كرار.



محطة العوده:

فور انهائنا لرمي جملة العقبه في يوم الثاني عشر من ذي الحجه، عزمتُ على التوجه الى البيت الحرام للتودع منه وكان الوقت وقت الظهر، فاستقليتُ وزوجتي وسعيد عبدالله سيارة الاجره، طلب صاحبها مبلغاً وقدرهُ 60 ريالاً سعودياً ليوصلنا ولم نكن في مزاج للتفاوض حول السعر ليقيننا ان الاسعار تقفز هذه القفزات في هذه الايام. فوجئنا بعد تحركنا اننا قد علقنا في زحمةً لا تنتهي حتى المغرب رغم محاولات السائق اختصار الطريق، فطلبنا منه أخذنا الى السكن مجدداً كي لا نكون سبباً في تأخير الحمله، الا انه ادخلنا في زحمة جديده، فطلبنا منه التوقف وقفلنا عائدين مشياً عن الاقدام.


طوال فترة الحج، لم انشغل ولا زوجتي بملاحقة الاسواق كي لا يعكر على شعيرة الحج ولو على المستوى المعنوي، وفي حين كانت قوافل (الزواره) تزاحم الغرف، كانت رواحلنا خاليه، ولم اجد سوى اليوم الاخير متنفساً لي في سويعاتٍ بقين قبل تحرك الحافله لشراء بعض الهدايا التذكاريه. ودعنا الحرم المكي من بعد، والامل يحدونا للعودةِ مجدداً الى الديار المقدسه في الاعوام القادمه باذن الله.

الاثنين، 9 نوفمبر 2009

تجربة التطعيم بلقاح H1N1


كجزء من الاجراءات الطبيه التي التي يخضعُ لها حجاج بيت الله الحرام، قمت بأخذ لقاح H1N1 مطلع السبت 7 نوفمبر 2009 ميلاديه. لا أنكر اني خُضتُ عصفاً فكرياً قبل الاقدام على هذه الخطوه ولعلي كُنت أفضل ان لا يوضع هذا الشرط كاجراء الزامي للذهاب الى الحج، ولكني ما لبثتُ ان تراجعت عن هذا التفكير لاعتباراتٍ عديده منها:


1- أن سبب الضجة الكبير التي اثيرت ضد اللقاح كان منشئها في الغالب "اشاعات" لا أساس لها من الصحه، فلا ادري من اين أتى البعض بفكرة ان اللقاح يسبب العقم والشلل وغيرها من الامراض. لاحظوا طبيعة الامراض لتروا انها من النوع المتباين في الطبيعه، وكونها تشترك في انها امراض مزمنه تصيب من يأخذ التطعيم ب"الذلة والمسكنة" طوال حياته، فاما ان يكون مروج هذه الاشاعه غبيٌ جداً - بحيث يمزج امراض متباينه في طبيعتها - أو أن يكون ذكياً جداً لنجاحه في تعشيش الفكره في عقول الكثير من البشر واختياره امراض في الصميم لدرجة ان أي شخصٍ سيكره اللقاح ختى النخاع!


العجيب ان الصين جربت اللقاح على شريحه تتكون من 35 الف دون ان تظهر اي من الاعراض التي تحدثت عنها الاشاعه على المرضى عدا بعض الحالات (4 حالات فقط) التي اصيبت بارتفاع في درجة الحراره وهي حاله تحصل حتى مع الحقن العاديه.



2- جاء برنامج "بلا حدود" واستضافة احمد منصور لدكتور يبين الاثار الجانبيه الخطيره لهذا المرض لاعطاء الخبر "صبغةً علميه" فالمتحدث دكتور والمستظيف قناة الجزيره. ولكن اثناء تتبعي لاحدى المدونات العمانيه فوجئت بمعلومات تحقيقية عن "طبيب الاسنان" الذي استظافته الجزيره اقلها "انها تقدم بلقاح لمرض السارس في 2004 فتم رفضه من قبل منظمة الصحة العالميه لعدم موافقته للمعايير الصحيه" ويبدوا ان الدكتور المذكور "أسرَّ حنقه في نفسه ولم يبده" حتى ظهر لقاح لمرضٍ جديد. ثم ان الجزيره قناة وان كان لها تفوقها وحضورها الاعلامي في المشهد العربي الا اننا جميعاً نتفق على عدم حياديتها في مواضيع شتى، فلماذا نعتمد خبرها هذا ونترك البقيه، علماً بأن القناة نفسها قد استظافة دكتورين في برنامج الاتجاه المعاكس وأحدهما كان ينفي والاخر كان يثبت اضرار اللقاح، وعليه فان المحصله ان هذا الموضوع هو موضوع خلافي ايدلوجي اكثر من كونه خلافاً علمياً. ثم انه من العجيب ان نعتمد الكثير من تطعيمات منظمة الصحة العالميه كتلك الموجهه ضد الكوليرا والمالاريا والتهاب الكبد الوبائي وغيرها من التطعيمات التي يعطى الطفل اياها منذ ولادته ونرفض هذا الاخير.



3- استشكل بعضهم باشكالٍ فكري مفاده "ما المانع ان تكون هذه الدول المنتجه للقاح هي ذاتها المنتجه للمرض" والجواب ببساطه "قد يكون هذا محتملاً" ولكن هذا لا ينفي فكرة تناول اللقاح، فلعنا نقر بأن الكثير من الفيروسات المنتشره في اجهزة الكومبيوتر مصنعه من قبل شركات الحمايه ذاتها للترويج لبرامج مكافحة الفيروسات، ولكننا مع هذا فاننا نثبت برامج المكافحه هذه في أجهزتنا.



4- أؤمن اني تناولت هذا اللقاح كشرط اساسي لرحلة الحج، وأومن كثيراً بهذه الرحله الروحانيه خصوصاً وانها بعين الله وفي رضاه، "وهون ما نزل بي أنهُ بعين الله".



بالمناسبه - وهي معلومه لم تتأكد طبيا بعد - وهي كون هذا اللقاح مستخرج من قشر البيض ولذا يسأل اي متقدم لاخذ اللقاح ان كان لديه حساسيه تجاه البيض او الدجاج قبل اخذ اللقاح، وهذا ما حصل معي قبيل أخذي للقاح.


ودمتم سالمين ...


ملاحظه: قد أعود للاسترسال في بحث هذه النقاط وقد لا أعود ...


الاثنين، 19 أكتوبر 2009

الصديق الغالي أحمد غلوم يتوجه الى عش آل محمد






نقلاً عن مدونة العجمي للمنشورات الاعلاميه


توجه صباح هذا اليوم الملا أحمد غلوم العجمي الى الجمهورية الاسلاميه الايرانيه ليحط رحاله في مدينة قم المقدسه (عش آل محمد) كطالبٍ حوزوي لينهل من رحيق آل محمد ويعرج في مراحل تربية النفس وتهذيبها. وقد استهل جولته بالمرور على قبر أخيه ورفيق دربه الفقيد حسين جاسم العجمي رحمه الله في مقبرة البصره ليودعه وينطلق بعدها الى مطار مسقط الدولي حيثُ يقلعُ في طائرة من طائرات شركة طيران الخليج. وسيكون خط الرحله من مسقط الى البحرين (ترانزيت) ومن ثم يواصل مشواره الى العاصمه الايرانيه طهران ومنها الى مدينة قم المقدسه. جدير بالذكر ان الملا احمد غلوم هو شابٌ نشط في مجال العمل الاجتماعي في الولايه اضافه الى امتهانه الخطابه الحسينيه والتي ورثها من والده الحاج غلوم العجمي.
=====
أتمنى لك كل التوفيق أخي أحمد في رحلتك العلمية هذه، وان شاء الله تعودنا لنا مغموراً بالعلم والمعرفة والتقوى.

السبت، 17 أكتوبر 2009

وداعاً حسين جاسم .. وداعاً أيها الصديقُ الغالي

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاه والسلامُ على أشرف الانبياء والمرسلين وآله الغر الميامين ...







"نومٌ وكلُّ العاشقيـــــــــنَ قيامُ *** أم أنت (أحيانا) ونحنُ نيـــــامُ؟!"

حضرنا معاشر العشاقُ الا ملهم حبنا ..

في ساعةٍ من مساء الجمعهَ جئنا لننصب في ذكراك الاربعينية منبراً، نشكو الآمنا ونبثَُّ عتابنا ، لحبيبٍ كأن يملأ أسماعنا وأبصارنا .. نرخي حبال الليل، لنعانق الغيب ونهدي من خلف تخومه آياتٍ عطره من الذكر الحبيب للصديقِ الحبيب

في خلوةٍ منك أتينا، ننثُرُ أبيات الرثاء ونقحم ريشة الأشعار ، كيما تساقط علينا حزناً شجياً ..

"حدِّث فأنت اليوم أصدقُ شاعرٍ *** أوليس عتَّقك الترابُ الأعمقُ
حَدِّث فلم يبرح حديثك مؤنســــاً *** وعليكَ قافيةُ الرثاء تتســلقُ"

عدنا اليك على طريقٍ طولهُ أربعين يوماً من الأحزان، ترصفه الدموع الثاكلات والقلوب اليتامى ..
عدنا وقد تزاحمت قلوبنا وأشواقنا لمعانقتك ..
أربعـــون يوماً وعيوننا لم تعانق وجهك المشرق ..
أربعـــون يوماً وصوتنا لم يصــــــــافح مسمعك ..
فامدد (سمعك) لنــــهديك (مشاعرَ) تفجرت فينا ..


"هل في عناقك للمحبِّ سبيــــــلُ *** أوليس ليلُ العاشقين طويـــلُ
أم همت في عشق الترابِ وضمه *** ونسيت انك ثــــاكلٌ وثكـــولُ"


قدمنا وقد ملئنا عيوننا من دموع الوجد لرحيلك ونثرناها بسخاءٍ في بقاعٍ كنتَ تتنفسُ فيها ..


رحمك الله يا حسين جاسم


الاثنين، 12 أكتوبر 2009

هل يحتاجُ (حسُّ الشاعر) الى (نقدِ الناقد) لفكَّ طلاسمه ..؟







هل يحتاجُ (حسُّ الشاعر) الى (نقدِ الناقد) لفكَّ طلاسمه ..؟

تسنى لي ليلة البارحه الحصول على (سَفرٍ) ثقافي باسم (مجلة دبي الثقافيه). والجميلُ في هذه المجله أنها تهدي كتاباً قيماً مع مع كل عددٍ من أعداد المجله، مما أغراني لاقتناء العددين الموجودين منها على رفِّ (اللولو هايبر ماركت). أُسمي المجلة (بالسفر) لما تحمله من كتب قيمه، فالكتاب الاول على سبيل المثال (محمود درويش .. حاله شعريه ) - وهو من تأليف الدكتور صلاح فضل- يحمل في طياته قراءه نقديه في شعر الشاعر الفلسطيني المعروف محمود درويش والذي توفي قبل عام (9 – 8- 2008 م ).

لا أخفيكم بأن نفسي (راودتني) في أكثر من مره لاقتناء دواوين هذه الشاعر الكبير ولكنَّي (استعصمتُ) ففي كل مرةٍ أتصفح فيها أشعاره، أجدُّ بها من الغموض والاشارات الرمزيه ما يصدني عنها خصوصاً وأن هذا الشاعر الكبير ينتمي الى مدرسةٍ ترميزية بامتياز تحوي من الاشارات ما يكفي (للتيهِ) في صحارى المعنى. ولا يمكن الخروج من (صحراء التيه) هذه الا ان كنتَ في حضرة الشاعر نفسه أو أن تستعين بناقدٍ كبير ليفك غموض المعنى، وقد أجاد ناصر عراق – مدير تحرير المجله- التوصيف في مقدمة هذا الكتاب النقدي حيثُ قال "لا يجرؤ أن يتصدى لابداع شاعرٍ كبير بوزن محمود درويش الا ناقدٌ كبير بحجم الدكتور صلاح فضل، فكتاب ومبدعو الدرجة الاولى في حاجةٍ ماسةٍ دوماًَ الى نقادر الدرجة الاولى حتى يتمكنوا من رصد وتحليل وتقييم تجربتهم الباذخه وانجازهم المتفرد".

ابان دراستي في استراليا، تعرفتُ الى صديق عماني لطيف ومهذب للغايه وهو حمد الغيثي، وقد اثارني في هذا الصديق الشاب "غرامهُ" بكتابات أمل دنقل - وهو شاعرٌ مصري ينتمي للاتجاهِ التجريدي- حيثُ كان يضعُ مقاطع من أشعار دنقل في مقدمة كتاباته التي يضعها في مدونته. وكنتُ أراها غامضةً جداً وعصيةً على الفهم وكانت سحبُ التساؤل تجولُ في مخيلتي لوجود جمهور يعشق هذا النوع من "الكتابات المشفره". شخصياً أميلُ الى الاتجاه القديم من الطرح الشعري الذي يتجرد من كثير من "تعقيدات" الحالات الشعريه المعاصره حتى وان كانت الاخيره كتابات شامخه ككتابات محمود درويش لا لكرهي لحالة الرمزيه بل لأن هذه الكتابات تحتاج الى جمهورٍ من العيار الثقيل لفك طلاسمها لدرجة أن المترجمين قد يجدون صعوبةً قصوى في ترجمة هذه القصائد الى لغات اخرى. وهذا ما اشار اليه الدكتور محمود شاهين – أكاديمي من الاردن- في مجلة العربي في العدد 611 حيثُ نقل عن حرص محمود درويش في أن تكون الترجمه لاشعاره دقيقه بقدر الامكان لدرجة أنه كان يطالع ترجمة قصائده قبل ان تصل لمراحلها النهائيه، بل ويغضب ان خرجت الترجمه في شكلها النهائي دون ان يطالعها. ومن الطريف انه قد هدد كاتبه بريطانيه ففي يومٍ من الايام بمققاضاتها لو اقدمت على ترجمة قصائده!

ولاطلعكم على مثال من كتابات محمود درويش "المشفره" ، اسوق الابيات التاليه :

" سجل!
أنا عربي
ورقم بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانيه
وتاسعهم سيأتي بعد صيف
فهل تغضب؟"


فمن يطالع هذه الابيات يجد حواراً غير تقليدي من الصعب التكهن بمدلولاته، وهنا يأتي دور الناقد لفك طلاسم الزمان والمكان وفك شفرات الرموز الموجوده في النص. يقول الدكتور صلاح فضل معقباً على هذه الابيات :

"... ونستحضر شكل الموقف لنتعرف على كثب على مدى انسجامه مع شكل التعبير. فالمتكلم – الشاعر عربي في دولة اسرائيل، يملي –فيما يبدوا- بياناته على الموظف المسؤول – القارئ-، ويخاطبه بلغة الامر، في متواليه تنتهي باستفهام، وبين الامر والاستفهام تأتي البيانات الاوليه المشكِّله للواقع الحسي الملموس بتطابق حرفي مدهش، بحيث تتحول افعال الكلام الى وقائع ذات قوام قانوني فعلي، وكثافه وجوديه محدده في مقابل تهويد الارض والشعب وطمس الهوية العربيه لفلسطين يأتي هذا الصوت ببرائته وصراحته دون تآمر ليقول للآخر المتسلط "سجل" ليصوب سجلاته ويصحح تاريخه...." ص 37 .

طبعاً من المهم أن اشير الى ان بعض القصائد لشعراء هذا الاتجاه الشعري قد لا تبدوا غامضه في مجملها كقصيدة محمود درويش التاليه:
"أحنُ إلى خبز أمي
وقهوةِ أمي
ولمسةِ أمي ..
وتكبر فيَّ الطفولةُ
يوماً على صدر يومِ
أعشق عمري لأني
إذا متُّ أخجل من دمع أمي !"

ولكن تبقى الحاجه الى الناقد مهمه، لا لاستكشاف مواطن الضعف والقوة في القصيده فحسب، بل ليبعث الحياه اليها بعد أن ولدت، ويوجدُ معاني خفيه قد لا ينبئ ظاهر القصيدة بها. اضافةً الى هذا، فان الكتابات النقديه تبعث محاولات تصحيحيه في الادب نثراً كان أو شعراً لتكسبه متانةً وقوه، وتثير نظر الكاتب الى مواطن يجب عليه ان لا يغفل عنها.


الأحد، 11 أكتوبر 2009

صراع المتدينين







كثيراً ما يطرقُ فكري مسألة "صراعُ المتدينين" سواء سواء كان هذا الصراع في حركة انطلاقيه من دين ضد دين او مذهب ضد مذهب بل وفي ذات المذهب او التوجه الديني. بل لا أراني مبالغاً ان قلتُ بأن سبب تردي الكثير من الاوضاع الاجتماعيه والثقافيه والدينية في مجتمعاتنا تعزى لهذا الصراع حيثُ تعمل هذه الصراعات على تحطيم الجهود وتشتيت القدرات بل وقد تصل الى درجةٍ خطيره حيثُ تنفر الناس من الدين.


تكمن المشكلة في هذا الصراع في نقطتين اساسيتين:-


ألف: تحول الاختلاف الى خلاف، مما يسبب سوء الظن في الاخر والقطيعه وما يتبعها من تسقيط للطرف الآخر فيتحول الاختلاف الى امرٍ شخصي ويستنهض القواعد الشعبيه لكل طرف لخدمة وتأجيج هذا الصراع.


باء: تجيير "الدين" لحدمة هذا الصراع ويتحول الدين الى وقود لهذا الصراع.فخلافاً لغيره، فان (المتدين) يوظف الدين لمصلحته، فتراهُ يوجهُ الأيات ً القرانية والاحاديث النبويه والاحكام الشرعيه لمآربه "الشيطانيه" ففلانٌ حلال الدم بعنوان "اقتلوهم حيث ثقفتموهم" وفلان فاسق وفلان ...... الى غيرها من الاحكام. قد تأخذُ هذه الاحكام منحى اخر يكمن في تبرير الافعال، وهنا تكمن المشكله حيث انه يعتقد أنه "مسدد الهيا" في مواقفه وان ما يفعله هو عين الصواب، كما كان موقف الخوارج - وهم فئة متدينه- تجاه الامام علي عليه السلام حيثُ كانوا يرون كفره والعياذ بالله وهو الذي ما تشيد الدين الا بسيفه.




ورب سائل يتسائل عن ماهية هذا الصراع وما علته، والجواب بالتأكيد هو اختلاف الغايات، فلو كانت الغايه هي وجه الله سبحانه وتعالى لما نشأ هذا الاختلاف من اساسه. يقول السيد كمال الحيدري في كتابه يوسف الصديق ص 205 ".. اذا امتلأ قلب الانسان بالفرح والبهجه بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتلئ قلب غيره به وان يفرح به ..". فالمؤمن المتدين ما دام يعيش حالة المعرفة بالله لن يرى هذه المعرفه حكراً عليه، بل انه سيفرح ما بوصول غيره الى الله ومعرفته. وهذا يقودني الى مشكله يقع فيها كثيرٌ من المتدينين الذين لا يرون صحة العمل ما دام خالياً منهم ومن وجودهم. فلو وجد فلانٌ من الناس ممن يقوم على شؤون مسجدٍ أو مأتم أو نشاط ديني، فما المانع من ادعوا له بالتوفيق بغض النظر عن تواجدي في المشروع ذاته واسهامي فيه بدل ان ارى سقوطه وعدم صلاحه!!!!




طبعاً مما يسهم في تأجيج هذه الصراعات هو غياب الفئة الواعيه الهادفه للصلاح في المجتمع. وعوضاً عنها تجد بطانات تسعى لتأجيج المشاكل واثارتها متجاهلين قول الله عزوجل في كتابه الكريم في سورة الحجرات الاية 9 "وإنْ طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما".


ختاماً ارى لزاما على المتدينين ان يعيدوا الحساب فيما يتعلق بصراعاتهم وتوجيهها توجيهاً سليماً خدمة للصالح العام وحتى لا يحملوا اوزارهم واوزار غيرهم ...



الأربعاء، 7 أكتوبر 2009

مجلة العربي .. صديقة منذ الزمن الغابر

( أحد اعداد مجلة العربي)








تربطني ومجلة العربي علاقة عاطفية بامتياز منذ سنين خلت، علاقة لم تفتك بها سني الزواج ولا سني الغربه. ومنشأ هذه العاطفه حبٌ من أول نظره، حيثُ لا زلتُ أذكر ذلك اليوم الذي عاد اخي الذي يكبرني ببضعة أعوام - محمد - من كليته حاملاً معه مجلة العربي وقد أغراه مقال عن ايران لشرائها، أما أنا فقد أغرتني المجلة بشحمها ولحمها للقراءه. كان ذلك في سنة 2000 ميلاديه وكنتُ في الثالث ثانوي في حينها، ووفي رواية أخرى بأني كنتُ في صف الثاني ثانوي على رأي بعض المحققين. لكن المؤسف في تلك العلاقه انني لم اقتني أي عددٍ لاحق ولا ادري مالذي دعاني فقط لمغازلة ذلك العدد فقط وتجنب اقتناء المزيد من الاعداد منها، لعله ما يعرف بالبرود العاطفي الذي يصيبُ الرجال عادةً عقب العلاقات العاطفيه!!!!!


لكن مجلة العربي ما لبثت الا وعادت تغريني لاقتنائها مجدداً بعد التحاقي بجامعة السلطان قابوس ولا ادري اينا ابتدأ بالسلام على الآخر ، ولكن اليقين في هذا الامر اننا لم نعاتب بعضنا على الفراق ساعتها. ومنذ حينها وأنا مواضبٌ على اقتنائها شهرياً لدرجة أن أعدادها بدأت تزحف نحو رف الكتب في البيت وتضايقُ الكتب هناك.

مجلة العربي جميلةٌ بامتياز اذ انها تجمع بين دفتيها مقالاتٍ جميله في الفكر والأدب والفن والسينما والقصه والطب والبيئه وعلم النفس بالاضافة الى استكشاف شهري في رحاب دول العالم. كما تخصص مساحة للحوار في كل أعدادها اضافة الى تخصيص مساحةٍ للقراء ليبدوا رأيهما فيها. وسعرها زهيدٌ للغايه، فما قيمة 500 بيسه شهرياً قبالة ذلك الكم الهائل من المعارف والعلوم التي تطرحها العربي في أعدادها!!


ونظراً لهذه العلاقة الوطيدة بيني وبين مجلة العربي فاني سأخصص قسماً في هذه المدونة لاشاطركم بعض قرائتي في المجله وتعليقي على بعضها، فكونوا في الانتظار.

السبت، 26 سبتمبر 2009

مسلسل يوسف الصديق وتجسيد صور الانبياء عليهم السلام




شرعت قناة الكوثر الفضائيه -منذ حوالي سنه تقريبا- في عرض انتاجٍ ايراني ضخم وهو مسلسل يوسف الصديق، وقامت باعادته عدد من القنوات الفضائيه في هذا العام من بينها قناة المنار والفرات والكوت. والمسلسل - الذي يقع في 48 حلقه- يعرض توثيقاً فنياً لحياة نبي الله يوسف عليه السلام منذ أن كان صغيراً حتى تربع على خزائن مصر وصار عزيزاً لها.



ثم ان كلَّ من شاهد المسلسل لمس الجهد الكبير الذي بذل لانجاح هذا العمل الفني واخراجه بحلته الاخيره كما يشعر بعظيم الامتنان لمخرج وكاتب المسلسل الفنان القدير فرج الله سلحشور لاخراجه هذا العمل. وقد مثل في المسلسل فنانون ايرانيون كبار اسهم وجودهم في نجاح العمل. فقد مثل الفنان حسين جعفري دور النبي يوسف عليه السلام وهو فتى في حين مثل الفنان مصطفى زماني دور النبي يوسف عليه السلام وهو في شبابه. كما مثل دور النبي يعقوب عليه السلام الفنان محمود باك تيت، ومثل دور بوديفار عزيز مصر الفنان جعفر دهقان في حين مثل الفنان عباس اميري دور اليخماهو كبير الكهنة.



وهنا نلفتُ الى ميزة قصة نبي الله يوسف عليه السلام عن باقي قصص الانبياء عليهم السلام حيثُ ان الله سبحانه وتعالى لم يتحدث بشكليه مفصله في سورةٍ لحياة نبي من الانبياء كما تعرض لقصة نبي الله يوسف حيثُ تعرض لها بتفصيل دقيق ومتصل مستعرضا رؤياهُ منذ طفولته مرورا على حسد اخوته له وبيعهم له بثمن بخس الى شراء (بوديفار) عزيز مصر له ووله (زليخا) به وسجنه وتربعه كعزيز لمصر ونقله أهل مصر الى دين التوحيد على عهد الملك (امنحوتب)والصاع المسروق وسجود اخوته وابويه له في نهاية السوره. ويستفيدُ الكثير من المفسيرين من ذلك ان قصة نبي الله يوسف هي سيرة حياة جديره بأن نستفيد منها، فهي عبرة لاولي الالباب كما جاء في نهاية السوره. ومن المؤسف ان كثير من القنوات التي تتهافت على اقتناء المسلسلات التركيه والمكسيكيه المدبلجه تغفل عن مثل هذه المسلسلات وهي برأيي غفلة مقصوده للاسف الشديد رغم اعتماد الكاتب على مصادر متفرقه من كتابات المسلمين دون الاقتصار على راي فرقة اسلاميه لوحدها.



الا ان ابرز انتقاد وُجِّهَ للمسلسل هو تجسيد شخصية النبي يوسف عليه السلام وظهورهُ من دون هالةٍ نورانيه حول الوجه بخلاف المسلسلات أو الافلام السابقه والتي تعرضت لشخصيات أخرى. وهنا نستعرض سؤال وجه لي في هذا الخصوص وبعده استعرض الاجابة عليه.

السؤال:
1- كيف يتم تصوير هيئة النبي يوسف عليه السلام؟
2- ألا يحرم التصوير؟
3- لمذا لم يُعمد إلى وضع نور على وجه المعصوم كما جرت العادة؟
الجواب:
سأجمع الجواب على التساؤلات السابقه في مجموعه من النقاط.

أولاً: لأن مسألة تجسيد شخصيات الانبياء من القضايا المستحدثه فهي حقلٌ لاجتهادات المجتهدين لعدم وجود نص صريح في القضيه. أما عن وجهة النظر الدينية التي وقفتُ عليها فهي ترتكز على مراعاة الحفاظ على مقام النبي وعدم التوهين به. تأمل الاستفتاءات التاليه على سبيل المثال لكل من سماحة المرجع السيد السيستاني دام ظله الشريف والسيد الخوئي قدس اللهُ نفسه الزكيه:


الجواب: يجوز تمثيل شخصياتهم عليهم الصلاة والسلام ولكن بشرط ان لا يسيء ذلك ولو في الزمان المستقبل الى مقاماتهم الشريفة وصورهم المقدسة في النفوس ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم عليهم السلام وخصوصياته بعض الدخل في ذلك .



السؤال: هل يجوز تصويرأوإخراج مشهد يظهر فيه النبي محمد (ص) ، أو أحد الأنبياء السابقين ، أو الأئمة المعصومين (ع) ، أوالرموز التاريخية المقدسة على شاشة السينما أو التلفزيون ، أو على المسرح؟
الجواب: إذا روعي فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل ، ولم يشتمل على ما يسيء الى صورهم المقدسة في النفوس ، فلا مانع.


وللسيد الخوئي رأي يقول فيه:



السؤال: هل يجوز عمل فيلم تاريخي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وإخراجه ؟.. وما الحكم بالنسبة إلى تمثيل الممثلين لشخصياتهم عليهم السلام ؟.. وهل لاي ممثل أن يمثل أدوارهم ، أم ينبغي أن يكون مؤمنا ؟.. وما الحكم في إظهار الطاهرين غير المعصومين كالعباس وسلمان وأبي طالب عليهم السلام وغيرهم ؟.. وما الحكم في إظهار الانبياء السابقين كذلك ؟




الفتوى: الخوئي: المناط في الجميع واحد ، والحكم سوي وهو الجواز ، ولا بأس إذا لم يكن العمل هتكا ، ولا مؤديا يوما إلى هتكهم عليهم السلام وهتك أولياء الدين ، فإذا كان هذا الشرط مضمونا فإنه يجوز.
حتى من ذهب الى التحريم من بعض الفرق الاسلاميه فانه كان ناظراً لدرء المفاسد. يقول مسعود صبري :

"..... ومُنطلق التحريم هو أن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فإذا كانت الثقافة تحتاج إلى خروج على الآداب فإن الضرر من ذلك يفوق المصلحة، وأن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان"، وأن تمثيلهم ليس مطابقا للواقع، فيغلب فيه جانب الضرر، وأن تمثيلهم قد يؤدي إلى إيذائهم وإسقاط مكانتهم وغير ذلك من الأدلة التي استند عليها.... ".
ولمناقشة هذا الرأي نقول ان هذا الرأي كان شبيه بما سبق الا ان الرأيين السابقين أعطيا الجواز مشروطاً بدرء المفاسد، وهذا الرأي أعطى الفتوى بالحرمه مقرونةً بدرء المفاسد، وعليه فمتى ما ارتفعت المفسده من الامر جاز التجسيد. وهو ما ندعوا له ، وهو الحفاظ على شخصية الانبياء من الهتك. فمن افتى بالجواز ذهب الى العنوان الاولي وهو الجواز ومن ذهب الى الحرمه ذهب للحرمة من باب ثانوي، ولتقريب الصوره من ناحيه فقهيه نقول مشاهدة التلفاز جائزه في نفسها (العنوان الأولي) ولكن ان ترتب على مشاهده التلفاز مفاسد كاثارة الشهوات وما شابه فان الحكم يتحول الى الحرمه (بالعنوان الثانوي).

من جانب اخر اعتبر هذا الراي التجسيد خدشاً في العصمه ولا ارى الرابط بين العصمه (وهي حاله من العلم يمنع صاحبه من الوقوع في المعصيه) وبين تمثيل الدور مع العلم ان بعض الفرق الاسلاميه تنسب الخطأ الى تصرفات بعض الانبياء وبالتالي فهي لا ترى عصمتهم وهو رأيٌ غيرُ صائبٍ بنظرنا. بل على النقيض، فقد دافع المسلسل عن عصمة النبي يوسف عليه السلام خصوصاً فيما يتعلق بهم زليخا به فقد اوضحت بأنه لم يهم بالفاحشه مطلقاً بخلاف ما ينسبه بعض المفسرين اليه عليه السلام وهو الذي يعبر عنه القران بالقول (انه من عبادنا الصالحين).



عموماً هذه الجدليه الدينية قائمه منذ زمن وهي مثار أخذٍ ورد، وقد فتحت بعضها مساحات لتجيز تمثيل ادوار الصحابه كما حصل في فيلم الرساله في حين تحفظت بعضها على ادوار الانبياء كفيلم لا اله الا الله وهو مصري الانتاج حيث كان الراوي يظهر وقت دور النبي، في حين لم تمانع بعضها في تجسيد شخصيات كشخصية عمر بن عبدالعزيز التي جسدها الفنان المصري نور الشريف. ولعل افتتاح المنتجين الايراني لمثل هذه المسلسلات هو بدايه في هذا المضمار ولعله يفتحُ المجال امام المنتجين العرب لينحو هذا المنحى خصوصاً بعد النجاحات الباهره التي حققتها مسلسلات من قبيل مريم المقدسه واصحاب الكهف ومؤخراً يوسف الصديق.


ثانياً: لا ننكرُ بأن جميع من تابع المسلسل اعجب به وجزء من الاعجاب كان لاتقان الدور وتجسيده. فعلى سبيل المثال يقول الاستاذ ياسر الدغاتره في مقالٍ له في جريدة الدستور :


" ..... أيا يكن الأمر ، فقد كان المسلسل إنتاجا ضخما بامتياز ، حيث نجح المخرج في وضع المُشاهد حسيا وبصريا في أجواء تاريخية فيها الكثير من الإبهار ، كما نجح في تحميل النص روحا رسالية بالغة الروعة ، ويبدو أن كلفة المسلسل كانت باهظة ، وبالطبع بسبب المباني والديكور والملابس وغير ذلك من الأدوات الضرورية لنقل المشاهد إلى تلك الأجواء التاريخية بكل تفاصيلها.
....

في أي حال ، ورغم أن مسار القصة معروف للجميع ، إلا أن المسلسل كان جاذبا للمشاهد ، وكان الدوبلاج المنفذ بأصوات مميزة يمنح الموقف مزيدا من الإبداع ، والنتيجة هي نجاح المسلسل في استقطاب الشاهدين ، من دون أن يعني ذلك حسما لقضية تمثيل أدوار الأنبياء التي قد تخضع لمزيد من النقاش ، وقبل ذلك من دونهم منزلة من الصحابة."



ثم انه سواء وضعت هالةٌ نورانيه حول الممثل أو لم توضع فنحنُ في كلا الحالتين لا نقصد ان الممثل هو النبي يوسف عليه السلام بل هو شخصٌ يقومُ بأداء دوره.

ثالثاً: الانسانُ بطبيعته يمتازُ بالخيال الواسع، وما أن يستمع الى شيءٍ ما كقصةٍ على سبيل المثال حتى تبدأ ذهنيتهُ في تصور المشهد. فلو قصَّ خطيبٌ ما قصة النبي ابراهيم ولقاءه مع النمرود أو قصة النبي موسى عليه السلام والسحره، فتجد أنك في ذهنيتك تتخيلُ المشهد وتتصور شخصية النبي الذي تسمع عنه. فنحنُ في ذواتنا نتصور هذه المشاهد، فهل نجيزها في ذواتنا ونحرمها جهراً.

رابعاً: تصوير العمل - حتى وان كان يجسد شخصية نبي من الانبياء عليهم السلام- هو ابلغ في استيعاب القصه من قرائتها. وهذا لا ينطبق على قصص الانبياء فقط بل ينسحب على بقية القصص وهذا ما نحته الدراما العالميه مؤخراً حيثُ عمدت الى تجسيد الشخصيات التاريخيه والمؤثره في افلامٍ وثائقيه. وكل من تابع المسلسل وقف على تفاصيل واحداث حكتها الايات اجمالاً وجاء المسلسل - المعتمد على كتب السيره - بالتفصيل في جزئياتها، وتعرفنا على مسميات كثيره لشخصيات عاصرت النبي يوسف عليه السلام وطبعت بصمتها في مسير حياته.

ختاماً أترككم مع جواب مخرج الفيلم فرج الله سلحشور عندما سأل عن تجسيد صورة النبي يوسف عليه السلام من قبل مذيع قناة الكوثر وقد وضعته القناه نص المقابله على الموقع:

س: نستفسر عن كيفية ظهور وجه الانبياء في المسلسل النبي يعقوب والنبي يوسف عادة ما هناك مسلسلات تضع هالة من النور على هكذا شخصيات ولكن بمسلسل يوسف لماذا لم تتبع هذه الطريقة ؟

فرج الله سلحشور: فيما يتعلق بالسؤال في الثقافة الشيعية لا نواجه مشكلة في عرض صور المعصومين كما تذكرنا الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) قال ليست لدينا اشكالية في ذلك اما في بقية الطوائف الاسلامية الاخرى فهناك الكثير اساسا لا يعترفون بالعصمة او عصمة الانبياء وانه من دواعي العجب بالنسبة لي ان بعض الفرق التي لا تقبل بالعصمة كيف تهتم بهذا الشكل الكبير لعرض وجه نبي او رسول اعتقد ان ذلك خطأ اذا لم نتمكن من عرض صورة تجسد وجه الانبياء فاعتقد اننا سوف نكون محرومين من ترجمة قصص القرآن على ارض الواقع وايصال هذه الرسالة الى الناس، كيف السينما هوليود يسعى لعرض الصور او وجوه كافة الانبياء ويثير شكوكا حول قداسة وعصمة الانبياء ويخرج الدين من حيز الانتفاع ويوحي بأنه ضعيف ويوحي بأن الانبياء كائنات او اشخاص ضعفاء ولكن اذا نحن لم نتمكن من اذا اردنا ان نعرض قدرتهم وارادتهم في ذلك على عكس ما يفكر به هؤلاء فانهم يقولون لا، اعتقد ان هناك اشكالية في هذا النوع من النظرة اذا لم نتمكن من عرض هذه الوجوه اذن لا نستطيع ان نحول دون عرض اعداء الاسلام الذين يعرضون هذه الصور وحتى يعرضون وجوه انبياءنا بالشكل الذي يريدونه هم حتى بوجوه واشكال بشعة وغير معصومة ولكننا بامكاننا ان نظهر هذه الوجوه بصورة جيدة ونقدمها كقدوة للمجتمعات، اعتقد ان هذا ليس فكرا جيدا، لم اعثر على رواية تحظر او تمنع ذلك او تحرم ذلك الإمام الخميني ايضا سمعنا عنه بانه قال بصراحة ان بامكانكم ان تظهروا وجوه المعصومين ولكن بشرط ان الشخص الذي تستفيدون منه لتقمص تلك الشخصية يكون انسان طيبا وليس ملوثا بالامور الدنيوية السيئة على اي حال ان هذا المسلسل لم يقلل من شأن النبي يوسف (عليه السلام) واذا كنا نعترف ان هذا المسلسل كان مسلسلا ناجحا اذن ان احد العوامل المؤدية الى هذا النجاح هو اظهار وجه النبي يوسف (عليه السلام).

شخصياً وبسبب ضروف سفري لدراسة الماجستير العام الماضي (2008)فقد حرصتُ على متابعة العمل الفني عبر مواقع اليوتيوب وعبر موقع حبيب دي في دي الذي كان يحمل الحلقات بجودة عاليه جداً لتعذر التقاط القناه في استراليا، وفي سفري الاخير الى الجمهورية الاسلاميه الايرانيه اقتنيتُ جميع حلقات المسلسل بسعرٍ زهيدٍ جداً، ولا زلتُ اتابع الحلقات على قناة المنار حيثُ لا زال المسلسل قيد العرض. ومن أحب ان يشاهد أو يحمل جميع حلقات المسلسل فسيجدها على الرابط التالي:

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

ماهية الوعي ومضامينه (مقدمه)


أغرتني فكرة المقال السابق المعنون ب (أكلتُ يوم أكل الثور الابيض ... في مجتمعاتنا) وحديثي في طياته عن ما يعرف بظاهرة الوعي ، لتخصيص سلسلة من المقالات التي تتحدث عن هذه الظاهرة ، معرفاً بها، ومعنوناً نماذج عليها، ومستهدفاً لظواهر تاريخيه ومعاصره لهذه الظاهره، مما حدا بي لاطلاق تصنيف جديد بعنوان (الوعي).
ماهية الوعي :
يُعرَّف الوعي بأنهُ "حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس الإنسان الخمس". (موسوعة ويكيبديا على الانترنت) في المقابل نجد تعريف معاجم اللغة كمعجم المحيط يشير الى انه يعني"الفهم وسلامة الإدراك والإحاطه والفطنة والحفظ والتقدير".
ومحصلة هذين التعريفين وغيرهما من التعاريف التي تعرضت لظاهرة الوعي ان الوعي هو حالة من الادراك الذي يعيشها الفرد مع محيطه الخارجي، والادراك للمسؤليه الملقاه على عاتقه تجاه الزمان والمكان والمحيط الذي يعيش فيها.
وتسهم هذه الحالة الفكريه في وجود حاله من اليقضه لما يُحاك للفرد في الخفاء من قبل قوى الشيطان الظاهره والخفيه، وحينها يمكن ان نقول ان الانسان هو انسان واعي.
هل الوعي هو نتاج المؤهلات الاكاديميه؟
قد تسهم المعارف التي يكتسبها الانسان في اكسابه بعض درجات الوعي، الا انها ليست المصدر الوحيد للوعي، ولذا فان من الخطأ ان نربط الحصول على المؤهلات الاكاديميه بالوعي والادراك بالمحيط الخارجي.في مقالي السابق أكدتُ على حقيقة عدم وجود ارتباط بين المؤهل العلمي والوعي (والذي عنونتهُ في تلك المقاله بالنضج). ويرجع عدم وجود ارتباط بينهما الى عدة أسباب كالتالي:-
ألف: في حين تعكس المؤهلات العلميه حاله من النمو المعرفي، يمثل الوعي حاله من النمو الفكري،مما يجعلهما في خانتين عقليتين مختلفتين، ما يعني ان النمو في احدهما لا يعني بالضرورة النمو في الآخر، فقد ترى رجلاً أمياً لم يحظى بتعليمٍ أكاديمي، ولكنه على قدرٍ عالٍ من الوعي والادراك وبالمقابل ترى خريجاً جامعياً يفتقرُ الى الكثير من أبجديات ادراك محيطه.
باء: في مرحلة من المراحل التاريخيه في عصور الاستعمار، ارتبط التعليم والحصول على المؤهلات الأكاديميه بمحاولة القضاء على الوعي عن طريق النخب المتعلمه والذين كانوا ينظرون الى تاريخهم وأعرافهم وتقاليدهم على انها كومه من التقاليد والاعراف الباليه. وقد امتد هجومهم ليشمل استهداف المعتقدات الدينيه الثابته، فقد خلق لهم الاستعمار صوره على أنهم عناصر تنويريه في مجتمعاتهم ، وزودهم بما يجب تنويره!!!
جيم: قد يمثل الحصول على الالقاب الأكاديميه والمهنيه عنصراً من عناصر الالهاء عن واقع المجتمعات المحيطه بهم مما يجعل غارقين في دفات الكتب منهم في هموم مجتمعاتهم.
دال: قد يتعرض جمله من أصحاب الشهادات الاكاديميه الى وجهة نظر واحده ويحرموا من الوقوف الى غيرها، فقد ينظر الى نظريات سارتر الوجوديه بنظرة تقديس لانه لم يقف على غيرها، مما يسلبهم حالة الموضوعيه التي يجب ان يتحلوا بها والتي هي جزء من الوعي، حيث انهم يغرقون في سبات وجهات نظر معينه دون ان يعيشوا واقع من رد عليها.
ومن هنا أظلق عالم الاجتماع الايراني الدكتور علي شريعتي أنةً من اناته في كتابه (النباهة والاستحمار ص 64) قائلاً:
"ان كون العالم جاهلاً وبقاء المثقف عاطلاً من الشعور او اعطائه العناوين والالقاب البارزه كالدكتور والمهندس والبروفسور وأمثالهم لحاله مؤلمة جداً، فيما اذا كان فاقداً للفهم والنباهة والشعور بالمسؤليه تجاه الزمان وحركة التاريخ التي تأخذه معها هو والمجتمع".
وللحديث تتمه في مقالات قادمه.

الاثنين، 14 سبتمبر 2009

كيفية انشاء مدونه الكترونيه




كيفية انشاء مدونه الكترونيه


هممتُ بأن اشرع في رسم شرحٍ تصويري لخطوات انشاء مدونه الكترونيه ولكني أرى ان الامر من السهوله بعيشُ لا يحتاج الامر الى شرحٍ توضيحي. ومن هنا ساكتفي بنقل الخطوات التي يتحتم اتباعها لانشاء مدونه الكترونيه، فاسحاً المجال لهممكم العاليه لتباشروا بالتدوين، لنتشاطر الاراء في المواضيع المختلفه. طبعاً هناك الكثير من المواقع التي تطرح خاصية التدوين بالمجان كمكتوب ووردبرس وجوجل ( عبر تدوينات Bloggers)، وهنا سانقل الية التدوين في مدونات بلوجرز التابعه لجوجل (GOOGLE) لكثرة انتشارها وسهولة استخدامها ووفرة المميزات التي تحويها. ولكن بما ان حديثنا سيكون عن مدونات بلوجرز، فلنتبع التالي :


أولاً: انسخ او اطبع الوصلة التاليه في متصفح الانترنت
https://www.blogger.com/start

حيثُ ستظهر لك صفحة تخبركَ عن مزايا انشاء المدونه، وبجوارها مستطيل برتقالي اللون به عبارة انشاء مدونه الكترونيه (Create Your Blog Now).


ثانيا: بعد ان تضغط على المستطيل البرتقالي سينقلك المتصفح الى صفحه تملأ فيها بياناتك الشخصيه، وفيها اوتماتيكياً تكون لك حساباً (الكترونياً) في جوجل (في حال وجود حساب مسبق في جوجل فان الامر سيسهل اكثر)، وكل ما عليك القيام به هو ان تملأ البيانات المطلوبه وتضغط بعدها على زر الاستمرار (continue).

ثالثاً: ستنتقل بعدها الى صفحها يتعين عليك فيها تسمية عنوان المدونه (Blog Title) وفي خانة عنوان المدونه (Blog Address) سيتيعن عليك اضافة الاسم الذي ترغب بأن يكون اسماً لمدونتك (مثال : مدونتي تحمل عنوان: exploremyskull ) حيثُ سيلحق هذا العنوان ببقية رابط المدونه (blogspot.com) وسيكون الاسم الظاهر على الشبكه وتضغط بعدها على زر الاستمرار (continue).

رابعاً: بعد ذلك يبقى عليك اختيار القالب الذي ترغب به (Templete) حيث سيمكنك استعراض القالب قبل اختياره، (مع التنويه الى امكانيه تغيير القالب لاحقا ان احببت)، وبعدها تنتقل الى تحرير الملف وارسال لارسائل ان احببت.


على امل ان نرى مدوناتكم في اقرب فرصه ...

لماذا ندون؟




بسم الله الرحمن الرحيم




اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم وفرج عنا بهم يا كريم،،،



يتسائلُ الكثيرُ من الاصدقاء عن أهمية التدوين على شبكة الانترنت، وبعضهم قد يتسائل عن كيفية انشاء مدونةٍ الكترونيه، ولهذا فسأشرحُ في هذه المشاركة أهمية التدوين على عجاله- ولعلي اوفق للاسترسال في الشرح في مرات قادمه- ومن ثم سأعرج على كيفية انشاء مدونة الكترونيه على شبكة الانترنت في مشاركةٍ لاحقه.




لماذا ندون وما أهمية التدوين؟


المدونه (Blog) هي عباره عن صفحه شخصيه سهلة التحرير تبنى على قوالب جاهزه مسبقاً وكل ما على المدونِ فعله هو ان يقوم بانشاء الرسائل او تحريرها ومن ثم ارسالها لتظهر على هيئة موضوعٍ جديد.



قد تتفاوت اهمية التدوين (Blog) من فردٍ لآخر الا أن جميعها تتفق على أهمية التدوين. في نظري ان التدوين يمثلُ نافذةً شخصيه يطلُ بها الفرد على الاخرين، يطلق همساته، وأفكاره، ويطلقُ ما دفن في صدره من افكار لم تجد طريقها الى الخروج، خصوصاً مع وجود الكثير من القيود التي تحكم النشر سواء كانت هذه القيود رقابيه او ماديه او كانت متعلقه بمستوى المقال وقيمته المعرفيه، فقد لا يرى مدير التحرير في جريدةٍ ما أي أهمية لما تسعى لنشره، وقد يرى مستوى الصياغه دون المستوى المطلوب. ومن هنا فان المدونه تشكل مساحه من الحريه ينشرُ فيها المرء تدويناته دون ان تخضع لاي قيود رقابيه.




اضافه الى هذا، فالتدوين هي مساحه شخصيه نشرقُ فيها بذواتنا على الاخرين، نهمس في أبصارهم بما يعالج صدرونا من همومٍ وآهات. كما انها مساحةٌ توثيقية لمراحل من حياة الانسان يوثق فيها نموه المعرفي وما عايشه في كل مرحله من احداث وهموم. وفوق هذا وذاك، هي مساحه انشرُ فيها جزء من معارفي وتجاربي للاخرين، لعلهم يرون بها ما يستحق الاستفاده.


هذا ما اردتُ قوله على عجاله، ولعلي بتوفيق الله احظى بالفرصه للاسترسال في الحديث عن هذا الامر في مراتٍ قادمه.

الأحد، 13 سبتمبر 2009

أكلتُ يومَ أكل الثور الابيض .. في مجتمعاتنا

القصةٌ غنيةٌ عن الشرح والاطناب والتفصيل، فقد القمناها حفظاً ايام المدراس دون أن نعيشها بادراكنا، وهي تتحدث عن تفرد الذئب -وفي رواية الاسد- بمجموعةٍ من الاسود كلا على حده بعد ان اوقع بينهم الوقيعه وجعل كلاً منهم يعيشُ حالة من (الفرديه) حتى تمكن منهم فرادى فصرحَ آخرهم بالمقولة المشهوره (اكلتُ يوم اكل الثور الابيض).

أسوقُ هذه القصة المعبره لاستشهد بها على واقعنا الاجتماعي المؤسف حيثُ ارى محيطاً غارقاً في حالةٍ من الفرديه المقيته. منذُ مده ليست بالقريبه صادف ان بعض (المتصابين) قام بنشر قصاصات ورقية قذره على مجموعة من البيوت الواقعه في حارتنا، مما استثار لغط الكثيرين - بصمت - لاحتوائها على عبارات نابيه وقذره تنبئ بتربية الشوارع التي كان يتمتعُ بها كتابها. استثارني الحدث وطفقت امر على البيوت واجمع المناشير واجري اتصالاتي بالاصدقاء والمتخصصين كي نرسم استراتيجية الرد وآليه تحديد هؤلاء الصبيه رغم ان بيتنا لم يكن في عداد البيوت المستهدفه، حتى انتهينا الى عقد اجتماع ضم ممثل عن كل بيتٍ تم استهدافه، وجرى على اثرها التحرك. الى ها هنا يبدوا الامر اكثر من طبيعي، ولكن (هؤلاء الصبيه) استهدفوني فيما بعد حيثُ عمدوا الى الاضرار بسيارتي التي كانت تركن امام البيت اكثر من مره، ولم يكن هذا ما اثار استغرابي ولكن ما اثار استغرابي ان من تجمعوا بالامس في بيتي للتحرك في مشكلةٍ تخصهم، نظروا للحدث على انه (مشكلة) تخصني انا فقط، دون ان يبدوا اي تحركٍ ايجابي تجاهي غير عبارات الترحم على حالي!!!!!

لم اكن ابالي بما تعرضت له سيارتي، ولكن ما كان يمقتني هو البرود الاجتماعي الذي عاشه المجتمع في تلك اللحظه، حيثُ لم يبدوا اي تآزر ولا حتى ادنى همه في الحدث. قبل ليالي تكرر ذات الحدث ولكن بشكل آخر، حيث رأيتُ بعضهم يضاحكُ ذئباً قد نالنا الاذى منه واشتهر اذاه لنا، فما كان من هؤلاء - وهم من اقربائي- الا ان تفاعلوا بكل برود مع الحدث ونشطوا قوى الضحك لديهم وكأن شيئاً لم يكن!!!

البعض يخالُ نفسه ناضجاً ان حصل على درجةٍ علميه كالبكالوريوس او ان كان قارئاً نهماً او ان كان يتمتع بمكانة اجتماعيه عاليه، ولكن للاسف هذا تصنيفٌ خاطئ فمن يقول بأن أياً منها تعني النضج. أن تكون ناضجاً يعني ان تكون على درجةٍ عاليةٍ من الوعي والادراك، بحيثُ تقيس شهيقك وزفيرك وان تحسبُ الحساب لكل خطوةٍ تخطوها، وان تكون على قدرٍ عالٍ من المسؤلية لتحديد موقفك و(أولوياتك) في هذه الدنيا، والا فان هذه الحالة المقيته تعني ان يغرق الانسان في حالةٍ من الفرديه، التي تؤهلنا وبجداره لنقول مقولة الثور الاحمر (أكلتُ يوم أكل الثور الابيض).

الانسان الناضج هو من يتمتع بكل ما سلف وفوقها ان يعيش همَّ المجتمع وكأنه همه، وان يعيش جراح غيره وكانه جرحه لا ان ننساق خلف (ذواتنا الفرديه). الامام علي بن ابي طالب عليه السلام الذي نفتخر بشرف موالاته كان يئنُ عندما يرى مسكيناً او امرأة معوزه، وهو ذلك البطل الهمام التي لم تحنه الرماح ولم ثتنه النبال ولم تنل المصاعب التي واجهها من انينه. ذات الرجل كان يئن لانة الملهوف والمظلوم، حتى اشتد غضبهُ في يومٍ من الايام فقال "لو كان الفقرُ رجلاً لقتلته" لا لان الفقر اثر به او نال منه، بل لان الفقر كان يستهدف جسد الجماعه لا جسده. فكم منا يا ترى يعيشُ هم مجتمعه وامته كما يعيش مشاكله الفرديه؟!!!

السبت، 27 يونيو 2009

أنا الكاتب

أشتركُ مع غيري من المخلوقات البشريةِ بجملةٍ من الخصائص المشتركةِ كحب استنشاقِ الزهور، والتنفسِ الهادئ، وعشقِ زرقة المياه، ووجود شعرِ الحاجبين، والحاجةِ الى النومِ يومياً والدعوةِ الى الحريه المصاحبةِ بالدكتاتورية في ذاتِ الوقت. ورغمَ هذه القواسمِ المشتركة الا أنني امتلك تمام اليقينِ بأنني مختلفٌ عنهم. قد تسألون عن الفرق بيني وبينهم، ولكي لا أسهب في اقناعكم بأنني مختلفٌ عنهم، سأكتفي بالقولِ ان دموعي تختلف عن دموعهم ودمائي تختلفُ عن دمائِهم، وبسماتي تختلف عن بسماتهم، وأنفاسي تختلفُ عن أنفاسهم. ان لدموعي المتساقطه على الصفحات القابليةُ على احياء مشهدٍ تراجيديٍ تفوق امكانيات الأثافي الثلاثة أسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس (1) التصويرية، ولدمائي القدره على إلهاب المكان بروحٍ ثورية تفوقُ دماءِ الشهداء، ولضحكاتي القدرة ُ على بعث روحِ الأمل في قلوب اولئكَ القانطينَ من الحياة والمتلهفينَ الى الانتحار، وختاماً ان انفاثي المنبعثةُ من قلبِ رئتي لها القابليةُ على أن تتحول الى خطابٍ ثوري دون أن تفكَّ حبالي الصوتيه شفرتها.

نعم أنا مختلف ; اذ أنَّ في صدري انسانٌ ثوري يتعاظمُ كلما رأى ظلامةً على الأرض، , وأميرٌ رومانسي يسطرُ غزله بأبياتٍ لم تخطر ببال امرئ القيس ولا روميو-وتتوردُ وجنتيه عند أي مشهدٍ عاطفي- وكهلٌ عجوزٌ يتخبطُ بعصاه نافثاً شحرجات الزمن المعتقة في رئتيه عبر تجشآت قد تخرجُ روحه يوماً ما، وامرأةٌ قد اختلت بقدرها الأسودِ من أثر الرمادِ لتطبخَ طعاماً سيستقرُ في جوفِ صغارها بعد برهةٍ من الزمن، ولا أذيعُ سراً إن أخبرتكم عن وجودِ طفلٍ يتنفسُ البرائة في داخلي ويرسمُ بلعابهِ المتدفقِ من بين فيه لوحةً جماليةً أجاد الخالقُ العظيمُ تصويرها.

أعرف أن بعضكم سيدعي ملكيَّة هذه الشخصيات أيضا في ذاكرته، وقد يحمرُّ وجههُ ويصفرُّ لاثبات ذلك، ولعله سيقسم بأغلظ الايمان لكي يقنعني بذلك، وبدوري لن أخوض في هذه المهاترات، بل سأكتفي بأني "أنا الكاتب" من أعاد بعث هذه الارواح على صفحاته، وأنَّ بنوتها ستنسبُ لي "أنا الكاتب" وأبوتي ستنسبُ لها حتى وان كانت تعشش في صدوركم منذ قرون، وربما أنني "أنا الكاتب" من سيتعرض للمسائلة لاحقاً عنها وأنا من سيدفع قيمةالكفالة من مالي إن تم سجني"أنا الكاتب".

(1) أعظم شعراء اليونان التراجيديين، على أيديهم تطورت التراجيديا حتى صارت جنساً أدبياً متميزاً وبلغ المسرح اليوناني ذروة ازدهاره.

افتتاح المدونه

في أحيانٍ كثر أبحثُ عن التواريخ المميزه لاباشر فيها خطوات حياتي الا أنني سأجعل التاريخ مميزاً، حيثبُ أنه سيحمل انطلاقة مدونتي على شبكة الانترنت. أعتباراً من الاعوام القادمه باذن الله سيخصص السابع والعشرون من شهر يونيو ذكرى سنويه لافتتاح هذه المدونة الالكترونيه وكل عام وأنا (وأنتم) بخير.