الاثنين، 27 مارس 2017

وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ


يَذكُرُ  الشيخُ المفيد رحمه الله في كتابه الإرشاد نبذةً عن الأحداث التي أعقبت شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالقول:
"تولّى جعفر بن على -أخو أبي محمد عليه السلام- أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام وإعتقال حلائله ، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده ، وقطعهم بوجوده والقول بامامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشدّدهم ، وجرى على مخلفي أبي الحسن عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة من إعتقالٍ وحبسٍ وتهديدٍ وتصغيرٍ واستخفافٍ وذلٍ ولم يظفر السلطان منهم بطائل .
وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد عليه السلام واجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ولا اعتقدوه فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه ، وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به، فلم ينتفع بشئ من ذلك."

ولعمري إنّ فيما ساقهُ (لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، ولكن هيهات أن يحصل ذلك لمن راودتهمُ الدنيا عن نفسها، واستنهضتهم فوجدهم خفافاً وأحمشتهم فألفتهم غضابا، فأظهرتْ ما أضمرته قلوبهم لسنين، ليعرفَ الناسُ حقيقتهم من سيمائهم ومن لحن قولهم، فولّدت تلك المعرفةُ بصيرةً تُسْقِطَ كُلَّ الأقنعةِ التي تواروا خلفها، وتفضحُ زيف العبارات المنمّقةِ التي تجلببوا بها، وآلَ حالُهم إلى مثل حال جعفر، يتربّص الفرص للإيقاع بالمؤمنين والتنكيل بهم وسلب حقوقهم وتهديدهم وسجنهم واستخفافهم، ومصادرة حقّ المعصوم عليه السلام، ورغم سعيه الدؤوب لكي يجدَ لنفسه موطئ قدمٍ كما كان للأئمة عليهم السلام في قلوب المؤمنين، إلّا أنّهم لفظوه كما تلفظُ المعدةُ الطعام القبيح.

ولمّا لم يجد موطئ قدمٍ له عند الناس، قرر أن يخطب ودَّ السلطان "وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلِّ ما ظنّ أنه يُتَقرّبُ به، فلم ينتفع بشئ من ذلك". ويذكرُ الشيخ الكليني رحمه الله أنّ أَحَدَ مَنْ تَقرّب إليهم استصغرهُ واستقلّه وأمر أن يحجب عنه وقال له:
(فإن كُنتَ عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجةَ بك إلى السلطان أن يرتّبك مراتبهما ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة ، لم تنلها بنا).
وهي نهايةٌ حتميّةٌ لكلّ إخطبوطٍ يفرحُ بتمدد أذرعه هنا وهناك، دون أن يدرك أن أذرعهُ لا تصل إلى السماء، بخلاف مَن يُحارِبُهم، فإنّ لهم أيدٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ، لا لأنّهم قد ظُلِمُوا في ذات الله فحسب، بل لأنّهم نَصَروا الله، وجَسّدوا مَقولةَ: (سلمٌ لمن سالمكم وحربٌ لمن حاربكم)، فصاروا متأهلين للطمأنينة الربّانية بأنّ (لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون).
ولئن نزلت بهم نازلةٌ من هنا، ورزيّةٌ من هناك، فهي ضريبةٌ (تؤتي أّكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها)، وهي يدٌ يصطنعونها لأهل البيت عليهم السلام لأنّ سيدّ الخلق صلّى الله عليه وآلهم قد وعدهم بالقول: (من اصطنعَ إلى أحدٍ من أهل بيتي يداً، كافيتهُ يوم القيامة) [المحاسن للبرقي ج 1 ص 62].

الجمعة، 10 مارس 2017

قراءة في كتاب (إرشاد الحائر إلى صحّة حديث الطائر) للشيخ حسن العجمي



إرشاد الحائر إلى صحّة حديث الطائر

المؤلف: الشيخ حسن عبدالله العجمي

عدد الصفحات: 128

دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع


في كتابه (إرشاد الحائر إلى صحّة حديث الطائر) والصادر عن دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع في عام 2016م، يتتبعُ الشيخ حسن عبدالله العجمي سبعةَ طُرقٍ من طرق حديث الطير متناولاً لها بالتصحيح حسب مباني أهل الحديث في تصحيح السند، ثم يعرجُ لتصحيح المتن من خلال عرض عشرة شواهد على صحّة مضمون حديث الطير، ويلحقها في الختام بأقوال المصححين والمحسنين لحديث الطير.

المعالجة  السنديّة:
تبتني المعالجة السنديّة في كتاب إرشاد الحائر على تَتبّع  أبرز ما جُرِحَ به بعضُ رجال السند في الطرق المشار إليها، ومحاكمة الجرح وفق قواعد أهل الحديث أنفسهم، وحيث انتهى البحث إلى نتائج تُفيدُ الصحّة أو التحسين في تلك الطرق، على النحو التالي:

  الطريق الأول:  حديث السدّي عن أنس بن مالك في تاريخ دمشق: بعد دفع الإثارات عن السدّي والخلوص لوثاقة السدّي فيصبحُ الحديثُ صحيحاً لذاته، ومع التنزيل جدلاً بالقول أنّ الحديث من طريق ابن عساكر لا يرتقي للصحة ذاتاً، فإنّ ضمّ الحديث من طريق أبي يعلى الموصلي عن السدّي عن أنس إليه يجعلهُ في رتبةِ الصحيح لغيره، وهي رتبةٌ أعلى من الحسن لذاته.

الطريق الثاني: حديث الحاكم النيسابوري عن أنس: وهو صحيحٌ حسب مباني الحاكم،  أو حسنٌ لذاته إن حُكمَ بأنّ أحمد بن عياض مستورٌ، أو حسنٌ لغيره بضم طريق أبي يعلى والنسائي إلى طريق الحاكم.

الطريق الثالث: حديث الطبراني في المعجم الكبير عن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وآله: والحديث بعد التحقيق بين أن يكون حسناً لذاته بعد رد الجرح الوارد في سليمان بن قرم، وبين أن يكون حسناً لغيره بعد ضم الطرق الأخرى للحديث، إن سُلّم جدلاً بتمامية الجرح في ابن مقرم. 

الطريق الرابع: حديث البخاري في التاريخ الكبير عن أنس بن مالك: والحديثُ حسنٌ أوحسنٌ لغيره إن تمّت مجاراة منهج المتشددين في علم الحديث.

الطريق الخامس: حديث ابن كثير في البداية والنهاية عن أنس:  وهو طريقٌ صحيح لحديث الطير وذلك بمعالجة الإرسال الموجود بثبوت الواسطة بين عبدالملك بن أبي سليمان وأنس، ألا وهو عطاء بن أبي رباح وهو ثقةٌ.

الطريق السادس: حديث ابن حجر في المطالب العالية عن أنس: وهذه الطريق لحديث الطير حسنة، ومِن أجود ما رُوي كما قال الذهبي في تاريخ الاسلام، والحديث بين أن يكون حسناً لذاته أو صحيحاً بضم الطرق الصحيحة الأخرى للحديث.

الطريق السابع: حديث الطبراني في المعجم الأوسط عن يحيى بن أبي كثير عن أنس:  ورجالُ الحديث من الثقات، وأمّا دعوى الانقطاع بين يحيى وأنس فمردودةٌ بما أثبته البخاري من رؤية يحيى لأنس ، وما أثبته الحاكم من رواية يحيى عن أنس، وتصحيحِ جُملة من الحفاظ وعلماء أهل الحديث لرواية يحيى بن أبي كثير عن أنس في أحاديث أخرى، والحديث بين أن يكون صحيحاً أو حسناً لغيره إن تمّت مجاراة منهج المتشددين.   

الشواهد:
نظراً لكون منشأ النكارة في حديث الطير هو متن الحديث والذي يذهب إلى تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام على جميع الصحابة- والذي هو مذهب كثيرٍ من الصحابة كسلمان وأبي ذر والمقداد وخبّاب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن الأرقم كما نُقل عن ابن عبدالبر في الاستيعاب، فإنّ الشيخ حسن عبدالله العجمي يضيفُ فصلاً يحتوي على عشرة شواهدٍ تدعمُ سلامة مضمون حديث الطير:

الشاهد الأول:آية وحديث المباهلة بدلالة أنّه نفسُ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ولو وجد من هو أفضلُ منه لاصطحبه النبيّ صلى الله عليه وآله في المباهلة.

الشاهد الثاني: حديث المنزلة، وكما كان هارون أفضل أهل زمان النبي موسى(ع)فكذلك كان أمير المؤمنين عليه السلام من رسول الله.

الشاهد الثالث: حديث "وأبوهما خيرٌ منهما" الوارد في ذيل حديث "الحسن والحسين سيّد شباب أهل الجنّة" بتقريب أنّ الحسنين هما سادة أهل الجنّة وأبوهما أفضل منهما فيكون أفضل الجميع.

الشاهد الرابع: حديث الغدير بدلالة كونه أولى بالمؤمنين من أنفسهم.

الشاهد الخامس: آية التطهير بدلالة أنّ من أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيراً أفضلُ ممن لم يذهب عن الرجس ولم يطهّر.

الشاهد السادس: حديث "أما ترضين يا فاطمة أنّ الله عزوجل اختار من أهل الأرض رجلين: أحدهما أبوك والآخر زوجك" بدلالة أنّه لو وجد من هو أفضل من أمير المؤمنين (ع) بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأختاره الله.

الشاهد السابع: حديث الأشباه، بدلالة تملّك أمير المؤمنين عليه السلام لصفاتٍ تفرّقت في الأنبياء ولم يثببت هذا لغيره.

الشاهد الثامن: حديث "إنّ علياً مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمنٍ بعدي" بدلالة ولايته على كل مؤمنٍ بعد النبيّ صلى الله عليه وآله.

الشاهد التاسع: قول عائشة للنبي صلى الله عليه وآله: "والله لقد علمت أنّ علياً أحبُّ إليك من أبي، بدلالة أفضليته على أبي بكر، والذي يرى القوم أنّه أفضل الأمّة.

الشاهد العاشر: حديث كونه أحب الرجال إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم كما جاء عن بريدة وعائشة.     
 
المصححون لحديث الطير:
ويختمُ الشيخ حسن عبدالله العجمي كتابه بالإشارة إلى من صحّح وحسّن حديث الطير من أكابر علماء الجرح والتعديل كالطبري والحاكم النيسابوري وابن حجر العسقلاني والشيخ محمود الميرة وابن حجر الهيثمي والشيخ ممدوح سعيد والترمذي وغيرهم. 

قواعد حديثية:
يضمّ الكتابُ في جنباته إشاراتٍ لقواعد حديثية مع تطبيقها لمعالجة بعض الإشكالات الواردة حول أسانيد الأحاديث ومن أبرزها:
الجرح غير المفسّر:
وهو الجرح الذي لا يوضحُ سبب الجرح كأن يقال فلانٌ ضعيفٌ دون تبيان وجه الضعف، وحكمهُ أن لا يعتدّ بهذا الجرح وأن لا يُقدّم عليه التعديل، ومن تطبيقاته (مسهر بن عبدالملك) الذي رماه البعض بالضعف دون تبيان وجه الضعف.
التعديل مقدمٌ على الجرح غير المفسر: 
فالجرح كما سلف لا يتمُّ إلّا إذا فسّر سببه مع وجود المعدلين له، ومن تطبيقاته السدّي الذي ورد فيه جرحٌ مبهمٌ وجاء فيه تعديلٌ من مسلمٌ وأحمد بن حنبل والعجلي وابن حبّان وشعبة وسفيان الثوري ويحيى بن القطّان وابن عدي والنسائي له.
عدم الإعتداد بجرح المتعنتين في الجرح: 
فقد علمّ جماعةٌ يتشددون في الجرح كأبي حاتم وحكمه أن يقدّم تعديل المعدلين على جرح المتعنتين، ومن تطبيقاته عدم الاعتداد بجرح أبي حاتم للسدّي.
قاعدة ردّ الحديث إن كان موافقاً لبدعة الراوي:
 وأول من وضعها هو إبراهيم الجوزجاني، وهي قاعدةٌ لا تصمدُ فما دمنا نحرز وثاقة الراوي فلا موجب لردّ مروياته، ناهيك عن أنّ القاعدة وضعت لرد كثيرٍ من أحاديث الفضائل، فلذا فلم يعتمدها جملةٌ من أكابر علماء الحديث كابن حجر والألباني.
الراوي المستور:
وهو الراوي الذي لم يجرح أو جرحَ بجرحٍ غير معتدٍّ به بحيث لا يؤثر في الوثاقة مع إرتفاع الجهالة عنه، وهو أقل رتبةً من الموثق، ومن تطبيقاته أحمد بن عياض فيحكم على حديثه بالحسن مع ضم تصحيح الدارقطني والحاكم له.
قول مثبت الحفظ مقدّمٌ على النافي له: 
ومن تطبيقاته تقديم قول أحمد بن حنبل توثيق سليمان بن قرم على أقوال من جرحه.

بالإمكان مطالعة كامل الكتاب على الرابط التالي:
http://www.h-alajmi.com/downloadp.php?newsid=2417