السبت، 15 أغسطس 2020

ثلاث نكات حول كورونا !




لعالِم النفس سيجموند فرويد كتابٌ بعنوان: "النكات وعلاقتها باللاشعور"، حاولَ فيها تحليل ظاهرة النكتة، وخلصُ فيه ( 1) إلى أن الضحك مرتبطٌ بأحلام اليقظة، وهي آليات لا شعورية تسعى لتخفيف حدة الإحباط تجاه الواقع، حيثُ تعمل الفكاهة على أخذ الشخص إلى الحرية المتحررة من قيود الرقيب. ولا يخفي فرويد اشتمال النكتة على وجود إحساس بالتفوق على الآخر الذي ربما يكون شخصية القائل في فترة ما.


وعلى كل حال، يُمكنُنا كأفراد أن نتلمّس بوجداننا جملةً من ملامح النكتة، كتوظيفها الكبير للقالب اللغوي واللعب بالمفردات وضغطها لتكون قصيرة، ولغتها الساخرة من الواقع والأفراد فيه. كما يُمكننا كذلك تلمس الدور الكبير الذي تلعبه النكتة في خلق صورٍ نمطيةٍ موجهةٍ تجاه قوميات وأعراق معينة، أو تجاه جنسٍ ما ، لتعكس نوعًا من الأفضلية المتصورة لدى قائل النكتة.


وقد جاء حدثُ جائحة كورونا ليتصدر خارطة الأحداث في سنة 2020م، بعد أن طال شرره الجميع، فكانت النكتة من أبرز القنوات التي حاول الناسُ –وعلى الخصوص صُنّاع النكتة- من خلالها التنفيس عن مشاعرهم تجاه الأحداث على الواقع، ومن ذلك ما سنقرأه في النكات الثلاث التي سأستعرضها في طيات المقال (2)، مع التأكيد على أنني لا أهدفُ في قرائتي هذه إلى شرح النكات ومخالفة ما حرّرهُ الأخُ الأحسائيُ الغالي علي محمد الحبيب في كشوفاته التي خلصَ فيها إلى أنّ: "النكتة التي تحتاجُ لشرحٍ لا تُسمى نكتة"، بل أهدفُ لتحليل النكتة وتفكيك تركيبها، وهي مرحلة لاحقة لا سابقة لفهم مغزى النكتة.

النكتة الأولى:
(الناس اللي كل شوي تكتب :
"اقترب رمضان ولنا في القبور أحبة"
ترا إذا ما قعدتوا في البيت،
احتمال كلنا نفطر مع الأحبة)

وتشتملُ هذه النكتة على:
(1) مقدمةٍ تشتملُ على خصوصية شهر رمضان في تجديد الإرتباط مع الموتى، مع وجود نصٍ مفقود لم يذكره كاتب النكتة لوضوحه وهو الدعاء للموتى، و (2) تعليقٍ يحملُ جوهر النكتة، ويتحدّث عن محاولة لتوعية المجتمع بشكل تحذيري يحملُ طياته أن التهاون في إلتزام الحجر المنزلي سيقودُ الجميع إلى الموت والإلتحاق "بالأحبة في القبور". وتُلحظُ هنا صورة نمطية ليست دقيقة طبيا مفادها أنّ عدم إلتزام الحجر المنزلي يقود الجميع للموت، وهي صورة إما أن تكون ناشئةً من جَهلِ كاتبِ النُكتة بأنّ نسبة الوفيات من الجائحة ليست 100% وأنّ نسبة التشافي عالية، أو أن يكون منشأ هذه الصورة المبالغة في التحذير.


النكتة الثانية:
(الآن الرجل يعيش أصحب حالاته:-
الحكومة ما تباه يداوم،
والحرمه ما تباه في البيت،
والشرطة ما تباه في الشارع،
بالله عليكم وين يسير؟!)


وتشتملُ هذه النكتة على:
(1) مقدمة تمهيدية للنكتة تسعى لكسب التعاطف مع الرجل المتزوج، متبوعة (2) بشرحٍ لهذا التمهيد اشتملت على صورة نمطية تشيرُ إلى نفور المرأة من وجود زوجها في البيت. ويُلحظٌ على هذا الشرح تصوير الرجل بالمستضعف الذي ينبغي عليه تنفيذ الأوامر. وتنتهي النكتة (3) بخاتمةٍ جاءت على شكل سؤالٍ لا يسعى كاتب النكتة من خلالها لمعرفة الجواب، بل للتعاطف مع الرجل. 


النكتة الثالثة:
(أكثر واحد منحوس هذي الأيام الحرامي:-
الشوارع مليانه دوريات،
والبيوت مليانه بشر،
ولو قال أبغي أتوب المساجد مقفلة)


وتشتملُ هذه النكتة على :
(1) مقدمة تتحدث عن الوضع المأساوي الذي يعيشه اللص في أيام الجائحة، ملحوقة بـــــ (2) شرح فيه تبيان لأسباب وضعه المأساوي، وضياع مستقبله!. وتصوّر النكتة اللص بأنه يمتهن السرقة وأنها مصدر دخله الوحيد، وأنه يمارسها كمهنة لا كهواية. والجو العام للنكتة يسعى بشكل ساخر للتعاطف مع اللص من خلال معايشته الآمه. ويلحظُ هنا أن هذا اللص هو لصٌ بدائي، يسرق من خلال السطو على المنازل في غياب أهلها، وهي بالتالي لا تتحدث عن أصناف أخرى من السرقات. كما يُلحظُ في النكتة الصورة النمطية لمكان التوبة، حيث يفترض كاتبها أن المسجد هو المكان الوحيد للتوبة!


وختاماً: رغم الطرافة التي تحملها النكات في طياتها، إلا أنها تحملُ في ذات الوقت رسائل ساخرة من واقعٍ أو أفراد، بلغة موجزة يسهلُ وصولها وفهمها للشريحة الأكبر من الناس.


---------


[1] اعتمدتُ في هذه المقدمة على سلسلة تغريدات كتبتها (Amirah Almousa) بعنوان: (مقتطفات من كتاب النُكتة وعلاقتها باللاشعور لسيجوند فرويد).

[2]  وصلتني هذه النكات منذُ فترة عبر الواتساب.