يَذكُرُ الشيخُ المفيد رحمه الله في كتابه الإرشاد نبذةً
عن الأحداث التي أعقبت شهادة الإمام الحسن العسكري عليه السلام بالقول:
"تولّى جعفر بن على -أخو أبي محمد عليه السلام- أخذ تركته، وسعى في حبس
جواري أبي محمد عليه السلام وإعتقال حلائله ، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده ، وقطعهم
بوجوده والقول بامامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشدّدهم ، وجرى على مخلفي أبي الحسن
عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة من إعتقالٍ وحبسٍ وتهديدٍ وتصغيرٍ واستخفافٍ وذلٍ ولم
يظفر السلطان منهم بطائل .
وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد عليه السلام واجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ولا اعتقدوه فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه ، وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به، فلم ينتفع بشئ من ذلك."
وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد عليه السلام واجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك ، ولا اعتقدوه فيه ، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه ، وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب به، فلم ينتفع بشئ من ذلك."
ولعمري إنّ فيما ساقهُ (لَذِكْرَىٰ
لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، ولكن هيهات
أن يحصل ذلك لمن راودتهمُ الدنيا عن نفسها، واستنهضتهم فوجدهم خفافاً وأحمشتهم فألفتهم
غضابا، فأظهرتْ ما أضمرته قلوبهم لسنين، ليعرفَ الناسُ حقيقتهم من سيمائهم ومن لحن
قولهم، فولّدت تلك المعرفةُ بصيرةً تُسْقِطَ كُلَّ الأقنعةِ التي تواروا خلفها، وتفضحُ
زيف العبارات المنمّقةِ التي تجلببوا بها، وآلَ حالُهم إلى مثل حال جعفر، يتربّص
الفرص للإيقاع بالمؤمنين والتنكيل بهم وسلب حقوقهم وتهديدهم وسجنهم واستخفافهم، ومصادرة
حقّ المعصوم عليه السلام، ورغم سعيه الدؤوب لكي يجدَ لنفسه موطئ قدمٍ كما كان
للأئمة عليهم السلام في قلوب المؤمنين، إلّا أنّهم لفظوه كما تلفظُ المعدةُ الطعام
القبيح.
ولمّا لم يجد موطئ قدمٍ له
عند الناس، قرر أن يخطب ودَّ السلطان "وبذل مالاً جليلاً وتقرَّب بكلِّ ما
ظنّ أنه يُتَقرّبُ به، فلم ينتفع بشئ من ذلك". ويذكرُ الشيخ الكليني رحمه
الله أنّ أَحَدَ مَنْ تَقرّب إليهم استصغرهُ واستقلّه وأمر أن يحجب عنه وقال له:
(فإن كُنتَ عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجةَ بك إلى السلطان أن يرتّبك
مراتبهما ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة ، لم تنلها بنا).
وهي نهايةٌ حتميّةٌ لكلّ
إخطبوطٍ يفرحُ بتمدد أذرعه هنا وهناك، دون أن يدرك أن أذرعهُ لا تصل إلى السماء، بخلاف
مَن يُحارِبُهم، فإنّ لهم أيدٍ ليس بينها وبين الله حجابٌ، لا لأنّهم قد ظُلِمُوا في
ذات الله فحسب، بل لأنّهم نَصَروا الله، وجَسّدوا مَقولةَ: (سلمٌ لمن سالمكم
وحربٌ لمن حاربكم)، فصاروا متأهلين للطمأنينة الربّانية بأنّ (لا خوفٌ
عليهم ولا هم يحزنون).
ولئن نزلت بهم نازلةٌ من
هنا، ورزيّةٌ من هناك، فهي ضريبةٌ (تؤتي أّكلها كلّ حينٍ بإذن ربّها)، وهي يدٌ
يصطنعونها لأهل البيت عليهم السلام لأنّ سيدّ الخلق صلّى الله عليه وآلهم قد وعدهم
بالقول: (من اصطنعَ إلى أحدٍ من أهل بيتي يداً، كافيتهُ يوم القيامة) [المحاسن
للبرقي ج 1 ص 62].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق