السبت، 26 سبتمبر 2009

مسلسل يوسف الصديق وتجسيد صور الانبياء عليهم السلام




شرعت قناة الكوثر الفضائيه -منذ حوالي سنه تقريبا- في عرض انتاجٍ ايراني ضخم وهو مسلسل يوسف الصديق، وقامت باعادته عدد من القنوات الفضائيه في هذا العام من بينها قناة المنار والفرات والكوت. والمسلسل - الذي يقع في 48 حلقه- يعرض توثيقاً فنياً لحياة نبي الله يوسف عليه السلام منذ أن كان صغيراً حتى تربع على خزائن مصر وصار عزيزاً لها.



ثم ان كلَّ من شاهد المسلسل لمس الجهد الكبير الذي بذل لانجاح هذا العمل الفني واخراجه بحلته الاخيره كما يشعر بعظيم الامتنان لمخرج وكاتب المسلسل الفنان القدير فرج الله سلحشور لاخراجه هذا العمل. وقد مثل في المسلسل فنانون ايرانيون كبار اسهم وجودهم في نجاح العمل. فقد مثل الفنان حسين جعفري دور النبي يوسف عليه السلام وهو فتى في حين مثل الفنان مصطفى زماني دور النبي يوسف عليه السلام وهو في شبابه. كما مثل دور النبي يعقوب عليه السلام الفنان محمود باك تيت، ومثل دور بوديفار عزيز مصر الفنان جعفر دهقان في حين مثل الفنان عباس اميري دور اليخماهو كبير الكهنة.



وهنا نلفتُ الى ميزة قصة نبي الله يوسف عليه السلام عن باقي قصص الانبياء عليهم السلام حيثُ ان الله سبحانه وتعالى لم يتحدث بشكليه مفصله في سورةٍ لحياة نبي من الانبياء كما تعرض لقصة نبي الله يوسف حيثُ تعرض لها بتفصيل دقيق ومتصل مستعرضا رؤياهُ منذ طفولته مرورا على حسد اخوته له وبيعهم له بثمن بخس الى شراء (بوديفار) عزيز مصر له ووله (زليخا) به وسجنه وتربعه كعزيز لمصر ونقله أهل مصر الى دين التوحيد على عهد الملك (امنحوتب)والصاع المسروق وسجود اخوته وابويه له في نهاية السوره. ويستفيدُ الكثير من المفسيرين من ذلك ان قصة نبي الله يوسف هي سيرة حياة جديره بأن نستفيد منها، فهي عبرة لاولي الالباب كما جاء في نهاية السوره. ومن المؤسف ان كثير من القنوات التي تتهافت على اقتناء المسلسلات التركيه والمكسيكيه المدبلجه تغفل عن مثل هذه المسلسلات وهي برأيي غفلة مقصوده للاسف الشديد رغم اعتماد الكاتب على مصادر متفرقه من كتابات المسلمين دون الاقتصار على راي فرقة اسلاميه لوحدها.



الا ان ابرز انتقاد وُجِّهَ للمسلسل هو تجسيد شخصية النبي يوسف عليه السلام وظهورهُ من دون هالةٍ نورانيه حول الوجه بخلاف المسلسلات أو الافلام السابقه والتي تعرضت لشخصيات أخرى. وهنا نستعرض سؤال وجه لي في هذا الخصوص وبعده استعرض الاجابة عليه.

السؤال:
1- كيف يتم تصوير هيئة النبي يوسف عليه السلام؟
2- ألا يحرم التصوير؟
3- لمذا لم يُعمد إلى وضع نور على وجه المعصوم كما جرت العادة؟
الجواب:
سأجمع الجواب على التساؤلات السابقه في مجموعه من النقاط.

أولاً: لأن مسألة تجسيد شخصيات الانبياء من القضايا المستحدثه فهي حقلٌ لاجتهادات المجتهدين لعدم وجود نص صريح في القضيه. أما عن وجهة النظر الدينية التي وقفتُ عليها فهي ترتكز على مراعاة الحفاظ على مقام النبي وعدم التوهين به. تأمل الاستفتاءات التاليه على سبيل المثال لكل من سماحة المرجع السيد السيستاني دام ظله الشريف والسيد الخوئي قدس اللهُ نفسه الزكيه:


الجواب: يجوز تمثيل شخصياتهم عليهم الصلاة والسلام ولكن بشرط ان لا يسيء ذلك ولو في الزمان المستقبل الى مقاماتهم الشريفة وصورهم المقدسة في النفوس ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم عليهم السلام وخصوصياته بعض الدخل في ذلك .



السؤال: هل يجوز تصويرأوإخراج مشهد يظهر فيه النبي محمد (ص) ، أو أحد الأنبياء السابقين ، أو الأئمة المعصومين (ع) ، أوالرموز التاريخية المقدسة على شاشة السينما أو التلفزيون ، أو على المسرح؟
الجواب: إذا روعي فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل ، ولم يشتمل على ما يسيء الى صورهم المقدسة في النفوس ، فلا مانع.


وللسيد الخوئي رأي يقول فيه:



السؤال: هل يجوز عمل فيلم تاريخي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وإخراجه ؟.. وما الحكم بالنسبة إلى تمثيل الممثلين لشخصياتهم عليهم السلام ؟.. وهل لاي ممثل أن يمثل أدوارهم ، أم ينبغي أن يكون مؤمنا ؟.. وما الحكم في إظهار الطاهرين غير المعصومين كالعباس وسلمان وأبي طالب عليهم السلام وغيرهم ؟.. وما الحكم في إظهار الانبياء السابقين كذلك ؟




الفتوى: الخوئي: المناط في الجميع واحد ، والحكم سوي وهو الجواز ، ولا بأس إذا لم يكن العمل هتكا ، ولا مؤديا يوما إلى هتكهم عليهم السلام وهتك أولياء الدين ، فإذا كان هذا الشرط مضمونا فإنه يجوز.
حتى من ذهب الى التحريم من بعض الفرق الاسلاميه فانه كان ناظراً لدرء المفاسد. يقول مسعود صبري :

"..... ومُنطلق التحريم هو أن درء المفاسد مُقَدَّم على جلب المصالح، فإذا كانت الثقافة تحتاج إلى خروج على الآداب فإن الضرر من ذلك يفوق المصلحة، وأن عِصْمَةَ الله لأنبيائه ورُسُله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان"، وأن تمثيلهم ليس مطابقا للواقع، فيغلب فيه جانب الضرر، وأن تمثيلهم قد يؤدي إلى إيذائهم وإسقاط مكانتهم وغير ذلك من الأدلة التي استند عليها.... ".
ولمناقشة هذا الرأي نقول ان هذا الرأي كان شبيه بما سبق الا ان الرأيين السابقين أعطيا الجواز مشروطاً بدرء المفاسد، وهذا الرأي أعطى الفتوى بالحرمه مقرونةً بدرء المفاسد، وعليه فمتى ما ارتفعت المفسده من الامر جاز التجسيد. وهو ما ندعوا له ، وهو الحفاظ على شخصية الانبياء من الهتك. فمن افتى بالجواز ذهب الى العنوان الاولي وهو الجواز ومن ذهب الى الحرمه ذهب للحرمة من باب ثانوي، ولتقريب الصوره من ناحيه فقهيه نقول مشاهدة التلفاز جائزه في نفسها (العنوان الأولي) ولكن ان ترتب على مشاهده التلفاز مفاسد كاثارة الشهوات وما شابه فان الحكم يتحول الى الحرمه (بالعنوان الثانوي).

من جانب اخر اعتبر هذا الراي التجسيد خدشاً في العصمه ولا ارى الرابط بين العصمه (وهي حاله من العلم يمنع صاحبه من الوقوع في المعصيه) وبين تمثيل الدور مع العلم ان بعض الفرق الاسلاميه تنسب الخطأ الى تصرفات بعض الانبياء وبالتالي فهي لا ترى عصمتهم وهو رأيٌ غيرُ صائبٍ بنظرنا. بل على النقيض، فقد دافع المسلسل عن عصمة النبي يوسف عليه السلام خصوصاً فيما يتعلق بهم زليخا به فقد اوضحت بأنه لم يهم بالفاحشه مطلقاً بخلاف ما ينسبه بعض المفسرين اليه عليه السلام وهو الذي يعبر عنه القران بالقول (انه من عبادنا الصالحين).



عموماً هذه الجدليه الدينية قائمه منذ زمن وهي مثار أخذٍ ورد، وقد فتحت بعضها مساحات لتجيز تمثيل ادوار الصحابه كما حصل في فيلم الرساله في حين تحفظت بعضها على ادوار الانبياء كفيلم لا اله الا الله وهو مصري الانتاج حيث كان الراوي يظهر وقت دور النبي، في حين لم تمانع بعضها في تجسيد شخصيات كشخصية عمر بن عبدالعزيز التي جسدها الفنان المصري نور الشريف. ولعل افتتاح المنتجين الايراني لمثل هذه المسلسلات هو بدايه في هذا المضمار ولعله يفتحُ المجال امام المنتجين العرب لينحو هذا المنحى خصوصاً بعد النجاحات الباهره التي حققتها مسلسلات من قبيل مريم المقدسه واصحاب الكهف ومؤخراً يوسف الصديق.


ثانياً: لا ننكرُ بأن جميع من تابع المسلسل اعجب به وجزء من الاعجاب كان لاتقان الدور وتجسيده. فعلى سبيل المثال يقول الاستاذ ياسر الدغاتره في مقالٍ له في جريدة الدستور :


" ..... أيا يكن الأمر ، فقد كان المسلسل إنتاجا ضخما بامتياز ، حيث نجح المخرج في وضع المُشاهد حسيا وبصريا في أجواء تاريخية فيها الكثير من الإبهار ، كما نجح في تحميل النص روحا رسالية بالغة الروعة ، ويبدو أن كلفة المسلسل كانت باهظة ، وبالطبع بسبب المباني والديكور والملابس وغير ذلك من الأدوات الضرورية لنقل المشاهد إلى تلك الأجواء التاريخية بكل تفاصيلها.
....

في أي حال ، ورغم أن مسار القصة معروف للجميع ، إلا أن المسلسل كان جاذبا للمشاهد ، وكان الدوبلاج المنفذ بأصوات مميزة يمنح الموقف مزيدا من الإبداع ، والنتيجة هي نجاح المسلسل في استقطاب الشاهدين ، من دون أن يعني ذلك حسما لقضية تمثيل أدوار الأنبياء التي قد تخضع لمزيد من النقاش ، وقبل ذلك من دونهم منزلة من الصحابة."



ثم انه سواء وضعت هالةٌ نورانيه حول الممثل أو لم توضع فنحنُ في كلا الحالتين لا نقصد ان الممثل هو النبي يوسف عليه السلام بل هو شخصٌ يقومُ بأداء دوره.

ثالثاً: الانسانُ بطبيعته يمتازُ بالخيال الواسع، وما أن يستمع الى شيءٍ ما كقصةٍ على سبيل المثال حتى تبدأ ذهنيتهُ في تصور المشهد. فلو قصَّ خطيبٌ ما قصة النبي ابراهيم ولقاءه مع النمرود أو قصة النبي موسى عليه السلام والسحره، فتجد أنك في ذهنيتك تتخيلُ المشهد وتتصور شخصية النبي الذي تسمع عنه. فنحنُ في ذواتنا نتصور هذه المشاهد، فهل نجيزها في ذواتنا ونحرمها جهراً.

رابعاً: تصوير العمل - حتى وان كان يجسد شخصية نبي من الانبياء عليهم السلام- هو ابلغ في استيعاب القصه من قرائتها. وهذا لا ينطبق على قصص الانبياء فقط بل ينسحب على بقية القصص وهذا ما نحته الدراما العالميه مؤخراً حيثُ عمدت الى تجسيد الشخصيات التاريخيه والمؤثره في افلامٍ وثائقيه. وكل من تابع المسلسل وقف على تفاصيل واحداث حكتها الايات اجمالاً وجاء المسلسل - المعتمد على كتب السيره - بالتفصيل في جزئياتها، وتعرفنا على مسميات كثيره لشخصيات عاصرت النبي يوسف عليه السلام وطبعت بصمتها في مسير حياته.

ختاماً أترككم مع جواب مخرج الفيلم فرج الله سلحشور عندما سأل عن تجسيد صورة النبي يوسف عليه السلام من قبل مذيع قناة الكوثر وقد وضعته القناه نص المقابله على الموقع:

س: نستفسر عن كيفية ظهور وجه الانبياء في المسلسل النبي يعقوب والنبي يوسف عادة ما هناك مسلسلات تضع هالة من النور على هكذا شخصيات ولكن بمسلسل يوسف لماذا لم تتبع هذه الطريقة ؟

فرج الله سلحشور: فيما يتعلق بالسؤال في الثقافة الشيعية لا نواجه مشكلة في عرض صور المعصومين كما تذكرنا الإمام الخميني (رضوان الله تعالى عليه) قال ليست لدينا اشكالية في ذلك اما في بقية الطوائف الاسلامية الاخرى فهناك الكثير اساسا لا يعترفون بالعصمة او عصمة الانبياء وانه من دواعي العجب بالنسبة لي ان بعض الفرق التي لا تقبل بالعصمة كيف تهتم بهذا الشكل الكبير لعرض وجه نبي او رسول اعتقد ان ذلك خطأ اذا لم نتمكن من عرض صورة تجسد وجه الانبياء فاعتقد اننا سوف نكون محرومين من ترجمة قصص القرآن على ارض الواقع وايصال هذه الرسالة الى الناس، كيف السينما هوليود يسعى لعرض الصور او وجوه كافة الانبياء ويثير شكوكا حول قداسة وعصمة الانبياء ويخرج الدين من حيز الانتفاع ويوحي بأنه ضعيف ويوحي بأن الانبياء كائنات او اشخاص ضعفاء ولكن اذا نحن لم نتمكن من اذا اردنا ان نعرض قدرتهم وارادتهم في ذلك على عكس ما يفكر به هؤلاء فانهم يقولون لا، اعتقد ان هناك اشكالية في هذا النوع من النظرة اذا لم نتمكن من عرض هذه الوجوه اذن لا نستطيع ان نحول دون عرض اعداء الاسلام الذين يعرضون هذه الصور وحتى يعرضون وجوه انبياءنا بالشكل الذي يريدونه هم حتى بوجوه واشكال بشعة وغير معصومة ولكننا بامكاننا ان نظهر هذه الوجوه بصورة جيدة ونقدمها كقدوة للمجتمعات، اعتقد ان هذا ليس فكرا جيدا، لم اعثر على رواية تحظر او تمنع ذلك او تحرم ذلك الإمام الخميني ايضا سمعنا عنه بانه قال بصراحة ان بامكانكم ان تظهروا وجوه المعصومين ولكن بشرط ان الشخص الذي تستفيدون منه لتقمص تلك الشخصية يكون انسان طيبا وليس ملوثا بالامور الدنيوية السيئة على اي حال ان هذا المسلسل لم يقلل من شأن النبي يوسف (عليه السلام) واذا كنا نعترف ان هذا المسلسل كان مسلسلا ناجحا اذن ان احد العوامل المؤدية الى هذا النجاح هو اظهار وجه النبي يوسف (عليه السلام).

شخصياً وبسبب ضروف سفري لدراسة الماجستير العام الماضي (2008)فقد حرصتُ على متابعة العمل الفني عبر مواقع اليوتيوب وعبر موقع حبيب دي في دي الذي كان يحمل الحلقات بجودة عاليه جداً لتعذر التقاط القناه في استراليا، وفي سفري الاخير الى الجمهورية الاسلاميه الايرانيه اقتنيتُ جميع حلقات المسلسل بسعرٍ زهيدٍ جداً، ولا زلتُ اتابع الحلقات على قناة المنار حيثُ لا زال المسلسل قيد العرض. ومن أحب ان يشاهد أو يحمل جميع حلقات المسلسل فسيجدها على الرابط التالي:

ليست هناك تعليقات: